يلفُ دول الثورات العربية ضباب كثيف تتلاشى معه ملامح الطريق، وتنعدم فيه الرؤية الصحيحة لمسارها، منذراً باحتمالات متصاعده بتعثرها واصطدامها بكوارث لا تنتهي. فشلت كل النظريات السياسية الموجودة في الكتب، وأحتار أساتذة العلوم السياسية في تفسير ما يحدث في الوطن العربي، فدنيا العرب لا تعرف القواعد ولا تألف المألوف، الظروف فيها خوارق والكلام عنها أضحى بلا حروف والحروف بلا نقاط. في مصر وبعد سقوط نظام مبارك قام الجيش بتسليم مقاليد الحكم لـ"الإخوان" وإعطائهم الفرصة على طبق من ذهب، ليعيدوا مصر سنوات للوراء، وتعم حالة الفوضى والخراب، ويضيع الشعب المسكين الذي قدم الشهداء بلا حساب في ثورته التي ركبها "الإخوان" وأفسدوها واغتصبوها منه، ويدخل الشباب في حالة من الضبابية، تائهاً بين الرجوع إلى الماضي أو اللحاق بركب الأوهام "الإخوانية" المكفرة. بعدها يقوم الجيش المصري من جديد بتصحيح الأوضاع والاستجابة لمطالب الشعب الحقيقية بإزاحة "الإخوان" عن الحكم، بعد أن ضاعت من مصر فرصة النهوض لمدة عامٍ كامل، في فترة تدهور فيها الاقتصاد وعمت الفوضى والخراب ، كما تم جذب الآف الشباب التائهين إلى أفكار "الإخوان" الضالة وغسل عقولهم ، ليظهر الوجه "البشع" الحقيقي لهذه الجماعة التي تقوم على احتلال السلطة والتمسك بها، فعادوا إلى جحورهم، وإلى اتباع نهجهم القديم في ممارسة العمل السري. ولا تختلف الأمور كثيراً في اليمن من حيث الضبابية المعتمة، فالجيش تحول إلى شعب، والشعب تحول إلى جيش، السلاح بجميع أنواعه متوفر أكثر من رغيف الخبز، وأعضاء الحكومة مجرد ضيوف على قنوات التلفاز وصفحات الجرائد، والإرهاب ينتشر كالورم السرطاني مخلفاً وراءه الخراب والدمار. أما في سوريا فحدث ولا حرج تحولت المدن إلى ساحات رومانية قديمة للمصارعة لكن مع تغيرٍ للقواعد، فالأسد والمصارعون يهجمون على الجمهور الجالس بين المدرجات، مصدوماً لا يعرف من أين تأتيه الضربة القاتلة. في تونس توجد "الترويكا"، فالرئيس مؤقت والمجلس التأسيسي مجرد اجتماعاتٍ بلا جدول أعمال، والحكومة غير مرغوب فيها من معظم الشعب والمعارضة مشتتة، والقطار تدور عجلاته في الهواء. في ليبيا الأوضاع أكثر ضبابية، الليل كالنهار، كلاهما مظلم، أين الحكومة؟ من المسؤول؟ ومع من تتفق ومع من تختلف؟ أصبح الكل زعيم نفسه، لا تعرف من مع من، ومن ضد من! يدق رأسي بعنف سؤال محير لا أجد له جواباً، وتصيبني استحالة الجواب بإحباط شديد أعجز معه عن رؤية المستقبل بوضوح لهذه البلاد التي تشكل رقعة من النسيج العربي المتآكل، ولا أجد غير الدموع المنهمرة بحرارة تغسل في طريقها آلامي وأحزاني على حال شعوب هذه الدول، أخوتنا في العروبة والدم الذين قاموا بثورات ضد الاستبداد والتهميش يجدون أنفسهم أمام كيانات ممزقة، وفوضى طاحنة أكثر ألماً من الجروح التي تجرعوها خلال الأنظمة التي ثاروا عليها، فمتى ينتهي نزيف الدم الذي يدفعه الوطن من خيرة شبابه ؟ ومتى ينقشع الضباب عن دربه ليسير نحو النماء والرخاء؟ وترحل سحب الضباب المتراكمة على صدري، ويشرق شعاع الأمل أمامي وأنا أتابع حديث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، وهو يتحدث لإحدى القنوات المصرية، وآثار إعجابي مدى اهتمام سموه الواعي بقيمة ذلك القطر المحوري وكمية الحنان المتدفقة من سموه على أبناء "مصر الحبيبة" ، وأحسست بالمرارة في نبرات صوته وهو يتحدث عن المخطط الإجرامي، الذي يحاك ضد مصر من قبل "جماعة الشياطين"، والذي سينتج عنه مزيد من التفكك العربي الذي لا نهاية له، ومدى إحساس سموه العالي بأهمية ومكانة مصر في الوطن العربي، وأثلج صدري ذلك الشعور السامي من سموه بمدى معاناة الشعب المصري واهتمامه بتكريم شهداء الإرهاب من خلال أمر سموه ببناء مسجد لكل شهيد، وتبرعه السخي لبناء مجمعات سكنية للمناطق العشوائية، وكذلك إهدائه المخططات النادرة الخاصة به التي لا تقدر بمال بدلاً من التي طالتها أيادي الإرهاب الطاغية. كل هذه المبادرات الكريمة من سموه تدل على عمق الإحساس المتأصل بالعروبة، وتجسيد معالم التلاحم العربي الأصيل، وإظهار مدى "طهارة الموقف الإماراتي" الداعم لأبناء مصر في محنتهم التي يمرون بها. ومن أعماق قلب عربي أصيل، أدعو الله أن تزول سحب الضباب عن بلاد الثورات العربية ، وتشرق شمس الأمل والخير عليها لتنطلق إلى ربوع النهضة والتقدم والرخاء. عبدالله المطوع إعلامي إماراتي