لماذا فعلها النظام السوري واستخدم السلاح الكيميائي في قصف الغوطتين؟ هل صحيح أن العملية جاءت رداً على تمكن قوات المعارضة من الدخول إلى "الحصن المنيع" و"الملاذ الأخير" و"المنطقة الحمراء" التي "لا تمس" وممنوع "التطلع إليها" و"التحرش بها"، "اللاذقية العرين "، والإساءة المعنوية الكبرى التي لحقت بالحكم والعائلة وما تمثل؟ أم أنها جاءت للقضاء على مئات المسلحين والنخب التي تم تدريبها تدريباً عالياً ووصلت إلى الغوطة للمشاركة في شن الهجوم على العاصمة، وبالتالي كان لا بدّ من تأديب هؤلاء والقضاء عليهم وتلقينهم درساً قاسياً لن ينسوه لمنعهم من التفكير بمحاولات من هذا النوع، وعلى هذا الأساس شن النظام حملة واستعاد المنطقة "المحتلة" في اللاذقية ووجه ضربة الكيماوي في الغوطتين؟ وهل كانت روسيا وإيران على علم؟ وهما الحليفان الأساسيان؟ من اتخذ القرار؟ من ورّط مَن؟ هل كانت القرارات مدروسة وعلى ما بنيت الحسابات وخصوصاً حسابات احتمال الردّ على مثل هذه العملية، وهي حسابات من المفترض أن تكون دقيقة لأنها لا تحتمل خطأ، بل قد تؤدي إلى دمار شامل؟ كل هذه الأسئلة طرحت واستمر تداولها لأيام بعد الضربة. لكنها تراجعت وانتقلت إلى طاولة الموثقين والباحثين الأكاديميين فقط، لأن حقيقة واضحة ظهرت أمام الجميع، وهي القرار الدولي غير الرسمي، والأميركي خصوصاً بالردّ قد أعلن عنه وبدأت الاستعدادات لضرب النظام ومواقعه. وذهب الجميع إلى التصرف على أساس أن الضربة حاصلة، لا مناص من ذلك. الأسئلة ذهبت إلى البحث عن متى وكيف وأين؟ ما هو حجمها؟ ماذا سيفعل النظام؟ ماذا سيفعل حلفاؤه؟ ماذا ستكون النتائج؟ واقعياً الاستعدادات للحرب بدأت، في كل دول المنطقة والعالم، الأميركيون أول المعنيين قالوا: سنضرب. سنقوم بعمل ما لكنها لن تكون ضربة قاضية للنظام. تصرفت إدارة أوباما وكأنها تواجه خطأً ما جاءت لتقول لصاحبه بكل " محبة" و"احترام". لا نستطيع إلا أن نتخذ إجراءً بحقك . فقط سيكون عقاباً لمنعك من تكرار هذا الخطأ! لن نؤلمك كثيراً. لكن عليك أن تفهم أننا غير قادرين إلا على اتخاذ مثل هذا الموقف! تحوّل الأمر بعد مرور ساعات وأيام على عدم تنفيذ الضربة، وبعد أن قال كثيرون إنها كانت ستحصل بعد الإعلان عنها تحوّل إلى "نكتة"، وإلى تعليقات ساخرة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي والأندية والكواليس والساحات السياسية! ثم فجأة ظهرت الحاجة إلى مجلس الأمن. "نفضل سلوك هذا الدرب" قال الأميركيون ذلك لتحميل كل طرف مسؤولياته! وفي النهاية سنتحرك ونضرب أياً يكن الموقف في المنظمة الدولية؟ كان واضحاً أن الإدارة الأميركية محرجة. لا تستطيع تحمّل القصف الكيماوي، بتاريخها المبدئي - رغم تغطية إدارات كثيرة أعمالاً مشابهة إلى حد ما من هيروشيما إلى حلبجة في العراق - وأمام الضغوط التي تمارس عليها في الداخل، وامتحان الصدقية والالتزام الذي قطعه على نفسه الرئيس أوباما عندما أكد أن إدارته ستتدخل إذا استخدم الكيماوي؟ وها هو قد استخدم! روسيا محرجة، لا تستطيع الموافقة على استخدام هذا النوع من الأسلحة! لا تستطيع تغطية وحماية مرتكبيه. فاجأت كل الأوساط عندما قالت: لن ندخل حرباً مع أحد إذا قررت أميركا الضربة! كثيرون كانوا يتوقعون عكس ذلك، كانوا مخطئين من الأساس. صحيح أن روسيا غابت عن مجلس الأمن، تمسكت بالحل السياسي الذي لا يمكن أن يأتي إلا من خلال الحوار، وهي ترفض التدخل العسكري الخارجي لكنها في النهاية لن تدخل الحرب، ولا تستطيع أن توافق على قرار الضربة في مجلس الأمن، لأنها ومهما "تكن الجريمة" وحجمها تكون قد كسرت قرارها باستخدام "الفيتو"، دون التوصل إلى اتفاق سياسي لحل الأزمة، وباعت هذه الورقة مجاناً. ولم يحن بعد وقت الحل فضلت روسيا إعلان هذا الموقف الذي يبقي الخيارات أمامها مفتوحة ومسار التفاوض، بل الشراكة مع أميركا قائماً. ويتقاطع الطرفان عند التأكيد على الحل السياسي. على جنيف 2 أياً تكن الخلافات بينهما! والحل لا يمكن أن يأتي إلا من خلالهما بمشاركة القوى الإقليمية التي لا تقرر وحدها بالتأكيد. هي شريكة. وحاجة وضرورة للحل لكنها ليست في موقع القرار الأول. وحتى كتابة هذه الكلمات الاتفاق الروسي - الأميركي على هذه المعادلة لا يزال قائماً. إسرائيل مستفيدة من كل ما يجري، الحرب في سوريا مكسب لها، والحرب ضد سوريا مكسب لها. والدمار والخراب والتهجير والاهتزاز الأمني المفتوح والوضع الاقتصادي الكارثي مصلحة إسرائيلية – فليدفع الجميع الثمن هناك وهي رابح كيف ما انقلبت الأمور. لكن أسئلة طرحت: ماذا سيفعل النظام؟ هل سيرّد على الضربة؟ ماذا ستفعل إيران وامتداداً حزب الله؟ هل سيدخلان الحرب؟ كيف؟ وأين؟ وما هي النتائج المتوقعة؟ إيران بلسان كل قادتها أكدت خطر الذهاب إلى ضرب سوريا على كل المنطقة. ولكن قادتها العسكريين الأساسيين قالوا: "الضربة ستؤدي إلى زوال إسرائيل قريباً"؟ وأن تداعياتها ستحرق الكيان الصهيوني"وسوريا ستكون مقبرة للغزاة وفيتنام ثانية للأميركيين! والأسد "أكد" أن "سوريا ستدافع عن نفسها وسترد على العدوان". ومساعدوه قالوا: "سنفاجئ الجميع بردنا"! في ما يخص إسرائيل وحرقها وزوالها، هذا كلام سياسي لا أكثر ولا أقل ولو صدقت نوايا أصحابه. لأن الاتفاق الروسي– الأميركي والدولي عموماً والثابت الأساس المتماسك هو حول أمن إسرائيل ومصالحها الاستراتيجية! وبالتالي قد تكون ردود وتحصل عمليات ولكن دائرتها لن تتسع إلى هذا الحد وسقفها لن يصل إلى حد تكسير سقوف الحماية الموضوعة فوق إسرائيل! مجلس الأمن لم يصل إلى قرار، مجلس العموم البريطاني رفض المشاركة في ضربة قبل التأكد من مسؤولية النظام عن استخدام الكيماوي. أوباما قال: ليس ثمة أدلة دامغة على تورط الأسد في ذلك. بوتين أكد الشيء نفسه تقريباً. وأصوات ترتفع ضد الضربة. وأصوات أخرى تنتقد التردد والتأخر في تنفيذها، وتعتبر أن عامل الوقت والتأخير ليسا في مصلحة مناهضي النظام. والضربة آتية – النظام سيحاول الاستفادة. مصالح الدول المشاركة فيها ستكون مهددة في كل مكان. يعني فتحنا باباً جديداً للأعمال الأمنية. أميركا بضربة رفع العتب ستقول لمن كانت تطالبهم بضرب المتطرفين وتبرر عدم تسليح المعارضة بخشيتها من وصول السلاح إليهم " لقد قمت بواجبي وتجاوزت كل الخطوط والضغوطات وضربت النظام. تفضلوا وتحمّلوا مسؤوليتكم نحن لم نضرب النظام ليكون البلد في أيدي المتطرفين – قوموا بدوركم أنتم – "يعني سنكون أمام أشهر دموية صعبة وأمام حروب ونزف دماء مفتوح، واقتتال داخلي. و شراسة أكبر من النظام واستهداف المحيط من لبنان إلى الأردن. والعيون على لبنان البلد الأضعف أسير دائرة التفجيرات المتنقلة والسيارات المفخخة والوعد بعودة مسلسل الاغتيالات قبل استخدام الكيماوي والتوجه إلى ضرب سوريا فكيف بعدها؟ كأنه كُتب علينا أن ندفع ثمن الاندفاعات الأميركية الغربية غير المحسوبة هنا والتردد والانكفاء هناك والخبث الغربي في كل الحالات، أي عمل لا يؤدي إلى التغيير الجذري في سوريا يعني المزيد من القتل والخراب والدمار. في لبنان، حذار الاستقواء بالضربة من قبل فريق والتوهم بالقدرة على استثمارها حكومياً وسياسياً في هذه اللحظة، وحذار الاندفاع من قبل الفريق الآخر والذهاب نحو خيارات أمنية في الجنوب أو الداخل أياً يكن نوعها لأن نتائجها ستكون كارثية على البلد، نقول ذلك دون مكابرة، وكل منا يبدو عاجزاً أمام برنامج ومسلسل السيارات المفخخة. كل منا ينتظر دوره والآتي إلى منطقته وحتى مسكنه، وما ينتظر أولاده وأحفاده وأهله.