أكتب هذا المقال وقد وصلت لتوّي إلى مصر قادماً من الولايات المتحدة. وعلى رغم أنني علمت بأخبار فرض حالة الطوارئ وحظر التجوّل، إلا أنني فوجئت بما رأيته. وكنت أتوقع أن أرى من السيّاح في المطار عدداً أقل مما أعتدت أن أراه، ولكنني لم أرَ أياً منهم، لقد اختفوا بسرعة ولم يبقَ منهم أحد. وليس من العسير أن نتخيل تداعيات الخسارة الكبيرة للعوائد السياحية على الاقتصاد المصري الذي يعاني أصلاً من حالة ركود. وقد فوجئت أكثر من المستوى العالي من الالتزام بقرار حظر التجول الذي يمتد من الساعة السابعة مساء وحتى السادسة صباحاً. وهذا يعاكس تماماً التجاهل التام من طرف الغالبية العظمى للجماهير لحظر التجوّل الذي فرضه الرئيس المعزول مرسي عقب الاضطرابات العارمة التي اندلعت بعد صدور الأحكام القضائية بحق المدانين في الأحداث المؤلمة التي شهدها أحد ملاعب كرة القدم في بورسعيد. وقد بدت شوارع القاهرة فارغة تماماً تقريباً، وكان ميدان التحرير -وهو الموقع التاريخي الذي انطلقت منه ثورة ملايين المصريين- محوطاً بتشكيل من دبابات الجيش بعد أن تم إخلاؤه من المتظاهرين غير العاديين حتى بدا كبير الشبه بسلسلة أفلام «كوستا جارفاس» بما توحي به من مشاكل سياسية. ولاشك أن هذه المقارنة بين حالتي حظر التجوّل لا تصبّ في مصلحة مرسي، ويمكن للمرء أن يتساءل في هذا الصدد: لماذا تحمّل مخاطرة اتخاذ قرار بفرض حظر التجول مع وجود احتمال كبير بتجاهل قراره، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقوية المشاعر المضادة له وإظهاره بمظهر الرئيس غير الكفؤ؟ كما أن المرء يتملكه العجب من العديد من القرارات الأخرى التي اتخذها وقد أدت به إلى العزل في نهاية المطاف. وكثيراً ما يمثل سائقو التاكسي مصدراً جيداً للمعلومات بسبب العدد الكبير من الناس الذين يتعاملون معهم وينتمون إلى كافة الشرائح الاجتماعية، وغالباً ما يدخل الركّاب في حوارات مع السائقين ويتبادلون معهم الآراء المتناقضة. ولكنني كنت واحداً ممن شذوا عن هذه القاعدة. ومما أثار انتباهي بشكل خاص أن كل سائقي التاكسي الذين ركبت سياراتهم خلال الأيام القليلة الماضية وتراوح عددهم بين 12 و15 سائقاً، حمّلوا «الإخوان المسلمين» مسؤولية المشاكل الخطيرة التي تشهدها مصر. وقد أصبح الشخص المصري العادي الذي صوّت لصالح مرسي قبل عام، غير عابئ به على الإطلاق بعد أن بدأ يعاني من الارتفاع الصاروخي في تكاليف المعيشة، مع بروز ظاهرة الصفوف الطويلة من السيارات التي تنتظر أمام محطات الوقود، وانهيار التدابير الأمنية، والانتشار الكبير للجريمة. وكانت شعبية مرسي تتقلص بشكل سريع ومن دون توقف. وأدى الرفض المتزايد للقوانين المجحفة التي فرضها مرسي، واندفاع ملايين المصريين إلى الشوارع في 30 يونيو للاحتجاج عليها، إلى ظهور بوادر الثورة الجديدة المطالبة برحيله. وكثيراً ما عمد المراقبون والمحللون إلى إطلاق اسم «الثورة الثانية» لوصف ما حدث على الأرض. وقد رفض مرسي الانصياع لمطالب المعارضة بالرحيل تجنباً لاحتمال اندلاع أعمال عنف في الشوارع، ما دفع بالفريق أول عبد الفتاح السيسي لتوجيه إنذاره النهائي له. وعندما رفض الإنذار، عمد الجيش إلى عزل نظامه برمته واعتقاله مع كبار مؤيديه. ومع أن هذه القصة باتت معروفة إلا أن فصولها لم تكتمل بعد. فهي تحتاج إلى توضيح وفهم حول حركة سياسية قضت 80 عاماً من عمرها وهي تحضّر للوصول إلى السلطة، وعندما وصلت إليها في آخر المطاف، عملت هي بنفسها على فقدها خلال أقل من عام. وأما في الولايات المتحدة، فإن القصة المتداولة تدور حول ضعف إدارة أوباما وافتقادها للقدرة على اتخاذ القرار السياسي. وفيما كانت شوارع القاهرة تشهد صراعاً حاداً، بدا الرئيس الأميركي غير آبه بما يحصل وفضل قضاء بعض الوقت في لعب الجولف. وقد توصل أوباما إلى أنه غير مقتنع بما إذا كان ما حدث في مصر يعتبر «انقلاباً» أم أنه لم يكن انقلاباً، ولهذا السبب فضل أن يؤجل قراره بقطع المساعدات الأميركية حتى يكتشف الحقيقة. ولم يكن أوباما مقتنعاً بتفسير مساعديه حول طبيعة التحرك. وتُرك الأمر لوزير الخارجية جون كيري الذي كان يتحدث عبر تلفزيون باكستان حول استمرار دعم إدارة أوباما لتدخل الجيش المصري الذي أدى إلى عزل مرسي فقال: «لقد طُلب من الجيش التدخل من قبل الملايين والملايين من أبناء الشعب. وكل هؤلاء كان يعمرهم الخوف من أن تنزلق الأمور إلى فوضى عارمة. ولهذا يمكن القول إن الجيش نزل إلى الشوارع لحماية الديمقراطية».