منذ استقلالها عام 1947، عرفت الهند تجارب اقتصادية مختلفة، من براجماتية جواهرلال نيهرو إلى اشتراكية إنديرا غاندي، إلى التحرير الاقتصادي السريع خلال تسعينيات القرن المنصرم. لذلك لا يزال السؤال مطروحاً بحدة حول الاستراتيجية المثلى لمعالجة التحدي الذي يواجه الهند والمتمثل في انتشال عدد كبير من السكان من الفقر؟ وفي كتابهما الجديد، «لماذا يعتبر النمو مهماً: كيف قلص النمو الاقتصادي في الهند الفقر ودروس ذلك بالنسبة لبلدان نامية أخرى»، يدافع عالما الاقتصاد بجامعة كولومبيا الأميركية، جاجديش بهاجواتي وآرفيند باناجاريا، عن مسلسل التحرير الاقتصادي الذي انخرطت فيه الهند منذ عام 1991، والذي يُعتقد على نطاق واسع أنه السبب وراء فترة النمو السريع التي عرفتها الهند خلال العقد الماضي. غير أن المنتقدين اليساريين يقللون من شأن هذه الإنجازات، كما يقول المؤلفان، ويشيرون إلى جملة من «الأوهام» التي يتصديان لتفنيدها في النصف الأول من الكتاب. والنتيجة نص قوي ومتماسك (وإنْ كان مملا أحياناً) يجادل بأن طفرة النمو الهندي أفادت الجميع بالفعل، بمن في ذلك الهنود من الطبقة الدنيا، وبأنها انتشلت ملايين الناس من الفقر. الكتاب يتميز بنبرته القوية، بل والشرسة أحياناً. ففي الصفحات الأولى منه، يُتهم عالمُ الاقتصاد جوزيف شتيجليتز ورجل الأعمال الثري جورج سوروس بما يسميه المؤلفان «اقتصاد جيراسيك بارك»، لتشكيكهما في بعض الممارسات المؤيدة للسوق. من جانبه، تعرض عمل داني رودريك، وهو أكاديمي من جامعة هارفرد يحظى بقدر كبير من التقدير والاحترام ويؤيد بعض القيود التجارية في البلدان النامية، للانتقاد وُوصف بأنه «سطحي». وبالمقابل، تم المرور على آراء المفكر الهندي أمارتيا سين مرور الكرام، وهو ما يبدو غريباً بالنظرا إلى أن الكتاب، في جزء كبير منه، يمثل رداً على مواقف هذا الأخير الذي يرى أن هند ما بعد الإصلاحات تعاني من تفاوت متزايد وضعف في مؤشرات التنمية، مقارنةً ببلدان مجاورة أكثر فقراً، مثل بنجلاديش والنيبال. وما فتئ بهاجواتي وسي يؤكدان على موقفيهما في هذا النقاش منذ سنوات، حيث تقلد الأول دور المدافع الشرس عن مزيد من التحرير. ومن الواضح أنها قضية عزيزة على قلبه، وإنْ كانت قضية لن يستفيد منها بالنظر إلى عدم شعبية التدابير التي يؤيدها. غير أنه إذا كانت الحجة المؤيدة لمزيد من التحرير بهدف زيادة النمو، حجة إيجابية بالكامل، فإن القارئ يتساءل: ولماذا أنصارها قليلون. لكن، ومع ذلك، فإن قول المؤلفين بأن الهند بحاجة إلى مزيد من الإصلاحات، صحيح بدون شك، وكذلك الحال بالنسبة لتركيزهما على أهمية تغيير وإصلاح أنظمة قديمة تتعلق بحيازة الأراضي، والتخطيط، وسوق عمل جد مقنن. إن الفكرة الأخيرة بشكل خاص تبدو قوية ومقنعة؛ لذلك فعلى الهند أن تصبح عملاقاً عالمياً في القطاعات الصناعية التي تتطلب عمالة كثيرة وذات مهارة منخفضة، مثل صناعة الأقمشة والإلكترونيات. لكنها ليست كذلك، فهي توظف نحو 5 ملايين عامل فقط في منشآت صناعية يتجاوز عدد عمال الواحدة منها 10 أشخاص، وهو عدد هزيل في بلد لديه نحو نصف مليار عامل، لكن حيث يحول التقنين الذي لا معنى له من دون توسع الكثير من الشركات. ويقول المؤلفان: «إن العديد من المعلقين عبروا عن الرأي القائل بأننا نشهد الآن بداية نهاية قصة النمو الهندية؛ لكن هؤلاء المعلقين يبالغون في أطروحتهم». غير أنه إذا كانت ثمة تدابير كثيرة معقولة يمكن تبنيها، فإن مسألة ما إن كان سيتم تبنيها تظل موضع شك. فقد استعادت الحكومة الهندية بقيادة «حزب المؤتمر، اكتشاف حماسها الإصلاحي خلال الأشهر الستة الماضية، وإنْ كان يؤخذ عليها تلكؤها وتيهها خلال السنوات السابقة. غير أنه حتى مع هذا التصميم الحكومي الجديد، فإن التدابير المباشرة نسبيا كثيراً ما يبدو أنها غير قابلة للتحقيق وسط النظام السياسي الهندي المتقلب. والأدهى من ذلك أن الطريقة التي تقارب بها انتخابات العام المقبل قد لا تخدم حجج من يقولون بأهمية تبني مزيد من الإصلاحات، حيث يتحاشى الزعماء الهنود اتخاذ قرارات قد تكون غير شعبية. وهو أمر مؤسف جداً، لكنه يقدم مزيداً من الأسباب للأمل في أن يشكل السباقُ الانتخابي نفسُه منتدى مهماً للنقاش، إذ يعتمد مستقبل النمو الهندي على ذلك. محمد وقيف ------ لماذا يعتبر النمو مهماً: كيف قلص النمو الاقتصادي في الهند الفقر ودروس ذلك بالنسبة لبلدان نامية أخرى المؤلفان: جاجديش بهاجواتي وآرفيند باناجاريا الناشر: بابليك أفيرز تاريخ النشر: 2013