اتفق رأي معظم الإعلاميين والمعلقين المتابعين للشأن المصري على أن الدعوة التي أصدرتها قيادة جماعة «الإخوان المسلمين» للشعب المصري للتظاهر والخروج من ثمانية وعشرين مسجداً في القاهرة وحدها، يوم الجمعة الماضي، للمطالبة برحيل الحكومة الانتقالية وإعادة مرسي إلى السلطة، لم تجد الاستجابة التي كانت تتوقعها الجماعة. الأخبار والصور التي نقلتها بعض القنوات التلفزيونية أظهرت مشاهد لمجموعات من الناس لا تتجاوز بضع مئات وعلى الأكثر بضعة آلاف من المتظاهرين الغاضبين على عزل رئيسهم. في تفسير لهذا الأمر ذهب بعض المعلقين والمذيعين والمذيعات إلى أن جماهير الشعب المصري اكتشفت حقيقة «الإخوان» وتبين لها الخطر الذي يهدد وطنهم حالة استيلاء الجماعة على الدولة المصرية بكل أجهزتها ومؤسساتها وتطبيق برنامجها الإقصائي المختفي خلف عذب الكلام عن الإسلام وحكم الشريعة الإسلامية. فهم -مثل كل حزب شمولي عقائدي- لا يؤمنون بالديمقراطية والعيش المشترك، متمسكين بمقولة مرشدهم الأول حسن البنّا الشهيرة بأن «كل من هو ليس معنا فإسلامه ناقص». وفي التاريخ القريب والمعاش حالياً، فإن الجماعة لم تكتف في البلدان التي حكمت فيها بعزل وإقصاء المواطنين من ليبراليين وديمقراطيين ومسيحيين ومسلمين متصوفين... بل أقصت وحاربت حتى الجماعات التي تشاركها المعتقد المذهبي وتختلف معها في التفاصيل. وفي رأي آخر قال بعض المعلقين إن قيادة الجماعة تأكدت بأن السلطة جادة ومستعدة لخوض معركتها معهم، وأن حملات جمع السلاح وإلقاء القبض على المسلحين من أنصار الجماعة قد أضعفتها، فلم يشأ هؤلاء القادة أن يمكنوا الحكومة من اكتشاف الكثير من عناصرهم الخطرة على الأمن والمدربة على العنف واستعمال السلاح، وهم يحافظون عليها، ربما ليوم أسود في حساباتهم الفاشلة دائماً. وأياً كان الرأي، فالحقيقة أنه يتوجب على السلطة الانتقالية والأحزاب والجماعات السياسية المصرية ألا يستهينون بالتنظيم الإخواني. فهناك عدة أسباب ساعدت هذه الجماعة على النمو والانتشار في جسم المجتمع المصري خلال العقود الماضية التي حكم فيها مبارك وأجهزته الأمنية مصر حكماً دكتاتورياً تعرض خلاله «الإخوان»، كغيرهم من القوى السياسية المعارضة، لكثير من العسف والتنكيل. لقد انتشرت الجماعة بين صفوف المصلين في المساجد وبين طلاب الثانويات والجامعات وسكان الأحياء الفقيرة، وكانت تبدو كجماعة من المحسنين المسلمين شديدي العطف على المساكين والفقراء، وأن النظام الفرعوني يحاربها ويضطهدها ويشرد أعضاءها في بقاع الأرض. ونحن بطبعنا وأخلاقنا وتقاليدنا الراسخة قوم نتعاطف مع المظلوم والمضطهد، خاصة حين يكون الظلم واقعاً عليه بسبب عقيدته الإسلامية. لقد سمعتُ شاهدت بعض الزملاء المصريين يقولون في بعض القنوات إنهم قد منحوا أصواتهم لمرشح «الإخوان» في الانتخابات الرئاسية لأنهم كفروا بالأحزاب الأخرى ولأنهم صدّقوا خطابه الانتخابي ورأوا أن يجربوا حكم «الإخوان»، فما بالك بعامة الناس الذين حكم عليهم الزمن بالجهل والفقر؟! إن السلطة المصرية، ومعها الأحزاب والجماعات السياسية والمدنية والمفكرين والكتاب المصريين، أمامهم معركة أشد ضراوة من معركة أجهزة الأمن الوطنية في مكافحة هذا الأخطبوط الخطير، على الجبهة الفكرية والثقافية وصحيح الإسلام. لقد كشف تسلق جماعة «الإخوان» المصرية السلطة ومسارعتها في تنفيذ برنامجها، حقيقيةَ هذا التنظيم المتحجر، وساعد خصومه في الرأي على ضربهم هذه الضربات الموجعة.