يشير أغلب الأميركيين المعارضين لاستخدام القوة ضد نظام الأسد في سوريا إلى حالة الإنهاك التي يشعر بها الرأي العام إزاء الحروب، لاسيما بعد التدخلات العسكرية الطويلة والمكلفة التي انخرطت فيها الولايات المتحدة بأفغانستان والعراق، والاحتياجات الاجتماعية الملحة والضاغطة داخلياً التي تستدعي الاهتمام والتركيز بدلا من الانصراف إلى مغامرات خارجية. لكن بالنسبة لهؤلاء الذين ما زالوا يتذكرون الانخراط الأميركي الفاشل في لبنان خلال عام 1982، عندما انقسمت إدارة ريجان على نفسها وافتقدت لأي استراتيجية واضحة للتعامل مع الوضع المتفجر في المشرق العربي... تثير الأزمة السورية مخاوف إضافية من احتمال تكرار إخفاقات الماضي. فقبل ثلاثين عاماً من اليوم، وتحديداً في 4 ديسمبر 1983، قامت طائرة أميركية بقصف بطاريات سورية مضادة للطائرات كانت متمركزة بالقرب من بيروت. حينها كانت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قد أرسلت قوات متعددة الجنسيات إلى لبنان لدعم حكومة أمين الجميل ومنعها من الانهيار. وقبل القصف الأميركي بأسابيع قليلة كان ما لا يقل عن 241 جندياً من مشاة البحرية الأميركية قد لقوا حتفهم في تفجير انتحاري كبير نفذته عناصر من «حزب الله» استهدفت ثكنتهم في مطار بيروت، ليسقط بالإضافة إلى الأميركيين عدد من الجنود الفرنسيين الذين كانوا متواجدين بالمنطقة. وعلى غرار اليوم، كان الإقليم وقتها منقسماً بين النظام السوري وحلفائه الإيرانيين المناوئين لحكومة الجميل، وبين الغرب الداعم لها، ليظل لبنان ساحة للصراعات تمزقه الحرب الأهلية الطاحنة. وكان السبب الذي دفع أميركا لشن الهجوم الجوي على البطارية السورية هو إطلاقها النار على طائرة استطلاع أميركية كانت تقوم بطلعات جوية فوق لبنان فاعترضتها النيران السورية. لكن رغم الرد الأميركي السريع، كان الهجوم فاشلا بكل المقاييس الاستراتيجية والتكتيكية، فخلال الهجوم فقدت الولايات المتحدة طائرتين، كما قُتل طيار أميركي فيما اعتقل مساعده، روبرت جودمان، ولم يطلق سراحه إلا أواخر شهر ديسمبر من عام 1983 عندما تدخل القس جيسي جاكسون لدى النظام السوري وقام بجهود وساطة أفضت إلى الإفراج عنه ورجوعه سالماً إلى أسرته. وفيما عدا هذا الإنجاز، انتهى التدخل الأميركي في لبنان إلى الفشل الذريع لتسارع إدارة ريجان إلى سحب جميع قواتها من لبنان مطلع عام 1984، تاركة الحرب الأهلية في أوج اشتعالها. هذا التدخل غير الموقف ترجع جذوره إلى عام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيو من نفس العام، حيث كانت الولايات المتحدة تحاول تأمين خروج ياسر عرفات والمقاتلين الفلسطينيين من مدينة طرابلس التي تحصنوا فيها. وبعد إتمام عملية خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وانتقال عناصرها عبر السفن إلى تونس، التي استضافت المقر العام للمنظمة، قررت أميركا سحب قواتها من لبنان ولم تعد إليه إلا في سبتمبر من ذات العام عندما ارتُكبت مجزرة صبرا وشاتيلا وراح ضحيتها آلاف اللاجئين الفلسطينيين. تلك المجزرة التي ما زالت صورها ماثلة في الأذهان حتى اليوم، اقترفتها عناصر «الكتائب اللبنانية» المتطرفة انتقاماً لمقتل زعيمهم بشير الجميل، في 14 سبتمبر 1982، حينها اضطرت القوات الأميركية للعودة مجدداً إلى المسرح اللبناني مدفوعة بشعورها بالذنب والتقصير إزاء ما حصل من مجازر بحق اللاجئين الفلسطينيين بعد خروج درع الحماية الذي كانت توفره لهم منظمة التحرير الفلسطينية. بيد أن التواجد الأميركي في لبنان حتى بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، افتقر للرؤية الواضحة، حيث لم يكن معروفاً الهدف الحقيقي لتلك القوات، ولا مهمتها على الأرض، أو طريقة التعامل مع القوى السياسية، أو قواعد الاشتباك... يضاف إلى ذلك أن الوضع السياسي في بيروت كان بالغ التعقيد والتشابك. فبعد اغتيال بشير الجميل تولى شقيقه، أمين، رئاسة الحكومة، ومعه تغيرت النظرة لقوات التحالف التي تحولت من عدو تجب مقاتلته إلى صديق يساهم في فرض الاستقرار، بينما اعتبرتها قوى المعارضة الأخرى عدواً يجب التخلص منه. وبالإضافة إلى تعقيدات المشهد اللبناني وتدخلاته الإقليمية، لاسيما التواجد السوري المتنامي على الساحة اللبنانية وتزايد نفوذ دمشق الذي سيتكرس لاحقاً بدخول القوات السورية وتسلمها المهام الأمنية، كانت هناك الانقسامات الداخلية في واشنطن بين وزير الخارجية جورج شولتز، ووزير الدفاع كاسبر وينبيرجر، الذين كانت لهما مواقف متباينة حيال الوضع في لبنان. فقد رأى البنتاجون وكبار الضباط في وزارة الدفاع مهمة التدخل في لبنان غير مجدية، وتعاملوا معها باعتبارها صرفاً للانتباه عن المهام الأكثر حيوية في منطقة الخليج التي كانت تعيش فصول الحرب العراقية الإيرانية، مع مخاوف التأثير على إمدادات النفط، هذا بالإضافة إلى إلقاء البنتاجون اللوم على إسرائيل وتحميلها مسؤولية ما حدث في لبنان من اختلالات، الأمر الذي كان يرفضه وزير الخارجية شولتز. لذا تشكل التجربة اللبنانية فرصة لأوباما كي يستخلص الدروس ويستفيد من العبر التي من أهمها أن يضمن أولا قبل أي تحرك عسكري توافق مراكز القوى في الداخل الأميركي، بحيث لا يغرد أحدهم خارج السرب، ثم أن يعمل على صياغة خطة عسكرية واضحة الملامح، يضاف إلى ذلك الحاجة إلى انخراط حلف شمال الأطلسي والجامعة العربية دون أن ننسى الأفق السياسي الذي يجب أن يكون ملازماً للتحرك العسكري، فأي استخدام للقوة لن يؤتي ثماره ما لم يخضع لرؤية سياسية واضحة يكون هدفها في الحالة السورية خروج النظام من الحكم والتهيئة لانتقال سلمي للسلطة.