ها قد قام قلم الخط الأحمر في المجزرة الأخيرة بغوطة دمشق بكتابة هذه الكارثة بمواد الكيماوي، أمام أعين المفتشين الكيماويين المختصين في الأمم المتحدة، في صورة واضحة يتجاهل فيها وجود المعنيين بالأمر على الأرض السورية. العالم الغربي وعلى رأسه أميركا كان يراهن على هذا الخط الأحمر الذي وقع أمام مرأى من العالم كافة، وساهم الجميع في موجات وردود الفعل الاستنكارية المعتادة ولم يخرج الأمر من كونه إضافة رقم آخر إلى الضحايا التي تتساقط يومياً منذ أكثر من سنتين. يفترض وجود مفتشي الأمم المتحدة هناك حيث الواقعة الشنيعة عامل مساعد للتوصل إلى قرار حاسم بحجم الكارثة الإنسانية التي تناقلتها الصورة الحية في كل أروقة وزوايا الإعلام العالمي. فالحلول السياسية إلى هذه اللحظة لم تجد لها موقعاً على الأرض المتحركة بالدماء والأشلاء، وميزان القوى لدى الجيش الحر أو المعارضة لم يعد مقياساً للحسم في هذه المعركة على المدى المنظور، على رغم تدفق بعض الأسلحة على الثوار، إلا أن الوضع لا زال يعاني من خلل في سياسة الكر والفر التي لا تنتج إلا المزيد من الضحايا الأبرياء. فإذا ثبت أن الكيماوي بعد التحقيقات الدولية لمجزرة الغوطة قد وقع فعلاً، فهذا يعني بأن القرار الحاسم من قبل العالم أجمع يبدأ من هذه النقطة الفاصلة في الأزمة السورية العصية على الحل. إن ما يحصل في سوريا اليوم يجب أن يتوقف على وجه السرعة، لأن نتائجه لم تعد تخص الشأن السوري وحده، بل إن الإقليم والعالم من حوله تأثر مباشرة سواء على مستوى السياسات التي تعاملت مع الأزمة منذ اليوم الأول لاندلاعها، أو على مستوى الحِمل الإنساني الثقيل الذي كان حصيلة الملايين من السوريين الذين يبحثون عن نسمة الأمان في أي مكان، إلا المكان الأصلي الذي فَقَدَ فيه كل وسائل الأمن والاستقرار. كيف يسمح العالم لدولتين وهما روسيا والصين التسبب في استمرار هذا النزيف السوري الدامي ضد كل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية قاطبة، فإذا كان ميزان المصالح قد انقلب رأساً على عقب في الأزمة السورية، فإن الحل ليس في عملية إبادة يومية للشعب الذي لم يطالب إلا بالحرية والكرامة وفق كل الأساليب السلمية المعروفة دون اللجوء إلى أي نوع من أنواع العنف، حتى وقع الاستفزاز من قبل النظام بالقتل العمد للشعب الأعزل. إذا كان النظام في سوريا مستعداً لأن يسوي كل قائم إنساناً كان أو عمراناً بالأرض ولا يبالي، فلا ينبغي بالتالي للعالم المتقدم أولاً ومن ثم من ينهج نهجه أن يسمح بوقوع ذلك الهدم المتعمد حتى ولو كان المبرر لدى النظام هناك هو محاربة «الإرهاب» الذي لم يخرج إلى سطح الثورة إلا بعد حين. سوريا الوطن والإنسان مستباح من قبل النظام نفسه واتكاء الغرب على عملية الإنهاك المتبادل بين النظام والمعارضة في هذا الصراع الدامي لم يعد له مبرر، بعد أن أقر الغرب بنفسه بأن الذي سيعجل من أجَل النظام ويقصره هو هذا الكيماوي الذي أفسد على الناس هواءهم ولوثه بالغازات السامة والمحرمة دولياً، فمن له اليد الطولى إذن في وقف هذا الانحدار نحو الهاوية الكيماوية بين يدي محاربي الأمم المتحدة للكيماوي ذاته ولغيره. فإلى هنا كفاية، وعند الكيماوي، ننتظر الخبر اليقين من قبل التحقيقات الجارية بهذا الخصوص منذ مدة، لأن هذه ليست المرة الأولى، فقد كانت من قبل ذلك قطرة وإنما اليوم صار دفقاً مكثفاً نحو الإبادة الجماعية في أعز مكونات الوطن وهو الإنسان، البنيان الحقيقي للأوطان.