انشغلت إسرائيل بصحفها وخبرائها منذ الهجوم الكيماوي السوري على ريف دمشق في بحث الدوافع والنتائج والاحتمالات التالية: في قضية الدوافع يعتقد أحد خبراء الشؤون السورية د. يارون فريدمان أن هناك عدة أسباب دفعت الأسد إلى الإقدام على هذا الاستخدام المحسوب للسلاح الكيماوي. الأول: أنه تصور أن عدم قيام واشنطن برد فعل ضد الفريق أول السيسي في مصر بسبب إنهائه لحكم "الإخوان" يعني أن لديه هو الآخر ضوءاً أخضر لشن هجوم كاسح بكل الأسلحة ضد المتمردين الإسلاميين في سوريا. الثاني: أنه تصور أن فشل التدخل العسكري الأميركي والأوروبي في بناء حكم ديمقراطي في ليبيا سيدفع الغرب إلى عدم التدخل العسكري في سوريا حتى لا تنتج نفس حالة الفوضى الليبية وما يصحبها من تزايد قوة الإسلاميين. الثالثة: ظن الأسد منذ الإطاحة بحكم "الإخوان" في مصر أنه يمكنه استعادة حالة الوحدة العربية حول الدفاع عن العروبة في مواجهة القوى الإسلامية المعادية للفكرة العربية وبالتالي كسب تأييد الدول العربية لإجراءاته. أما فيما يتعلّق بنتائج الضربة الكيماوية. فتتراوح توقعات الخبراء الإسرائيليين بين اليقين من أن أوباما سيصدر أوامره بعملية عسكرية ضد النظام السوري وبين توقعات بأن هذا الأمر بعيد حتى الآن. ويرى المتيقنون من حدوث الضربة أنها قد تأخذ أحد الصور التالية: أ- ضربة بصواريخ توماهوك للفرقة العسكرية السورية التي شنت الهجوم الكيماوي. ب- إنشاء منطقة حظر جوي لمنع الطيران السوري من التحليق فوق مناطق المتمردين. ج- عملية للسيطرة على مخازن السلاح الكيماوي السوري لمنع النظام من استخدامه مرّة ثانية. د. عملية عسكرية شاملة تشارك فيها دول عربية وإسلامية وأوروبية للإطاحة بالنظام. ويقارن الخبراء الإسرائيليون بين مزايا وعيوب كل عملية، غير أنهم يرجحون أن ضربة صواريخ توماهوك هي الأكثر احتمالاً، في حين أن المواقع الإخبارية المرتبطة بالمخابرات الإسرائيلية، تؤكد أن القرار الأميركي قد صدر بالفعل واستقر على القيام بالعملية الشاملة لإنهاء النظام السوري. أما الاحتمالات التالية للعملية العسكرية الأميركية أياً كانت صورتها فيراها الخبراء الإسرائيليون بمنظارين الأول منظار الموقف الانتحاري من جانب نظام الأسد بالرد على الهجوم الأميركي من خلال استخدام ترسانته الصاروخية ضد إسرائيل وتركيا والأردن، والثاني منظار امتصاص الضربة والتزام الصمت يقول الدكتور يهودا بلنجا خبير الشؤون السورية في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة "بار إيلان"، إنه لن يكون لدى الأسد خيار آخر سوى الموقف الانتحاري وأنه سيعتمد حليفيه إيران وحزب الله في هذا الاتجاه. هذا في حين يرى خبير إسرائيلي آخر رئيس مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب البروفيسور "إيل ذيسر" أن الأسد لم يعد يمتلك أدوات لها أهمية للرد بهجوم عسكري، فلديه نقص في الذخائر، وضعف في قدرات الجيش وصعوبات في السلاح الجوي، وهو ما يعني أن سوريا ليست تلك التي كانت قائمة بقوتها منذ ثلاث سنوات. وبالإضافة إلى هذا، يعتقد بعض الخبراء أن الأسد سيجد نفسه أمام خيارين بشأن إسرائيل: إما تركيز ضربته الصاروخية عليها وحدها للانتقام من أميركا، وإما إدراك أن ضربه لإسرائيل سيعني رداً كاسحاً من جانبها على قواته الرئيسية في الحرس الجمهوري والجيش. سؤالنا الأخير هو: ماذا سيحدث في عقل الأسد إذا وقعت الضربة الأميركية، هل حقاً سينتحر أم يؤثر التعقل وضبط النفس ويعيد حساباته؟ أعتقد أنه سيجنح للتعقل وحب البقاء.