في الخامس عشر من أغسطس، أدى ماثيو بارزن اليمين أمام وزير الخارجية الأميركي جون كيري كسفير جديد للولايات المتحدة في بريطانيا. وكان بارزن سفيراً للولايات المتحدة في السويد قبل بضع سنوات من الآن. وقد أظهرت صورته على الصحف، مرتدياً بذلة رسمية بربطة عنق بيضاء مرفوقاً بزوجته بروك، رجلًا طويلا ومبتسماً بدا أنه الشخص المناسب في المكان المناسب. لسنوات تابعت الحكومة البريطانية أسلافَ بارزن، غرباءَ الأطوار الذين شغلوا المنصب المهم للسفير الأميركي إلى المملكة المتحدة. والواقع أن الأميركيين مازالوا مشهورين في بريطانيا بكفاءتهم وفعاليتهم؛ غير أنه في ما يخص الدبلوماسية -وربما لأن الأمر يتعلق بشأن حكومي وليس بشأن تجاري- فإنهم يبدون أحياناً كالمبتدئين، خلافاً للفرنسيين والألمان، مثلا، الذين يديرون بعضاً من أفضل وأنجح الأسلاك الدبلوماسية في العالم. وعلى سبيل المثال، فقد قام بوش الابن حين كان رئيساً للولايات المتحدة، بتعيين ويليام فاريش في منصب سفير الولايات المتحدة لدى بريطانيا. غير أن فاريش، الذي كان شخصية ثقافية تحظى بالتقدير والاحترام، حسب جل المراقبين، لم يكن يعرف على ما يبدو ماذا كان يفترض به أن يفعل في منزله الفسيح والفخم في حديقة «ريجينت بارك» وسفارته الكبيرة في ساحة «جروفنر سكوير». وتقول بعض الرويات -بكل جدية- إن تربية الخيول كانت نقطة قوته، وإنه لما كان ذلك واحداً من الاهتمامات الرئيسية للملكة، فإنه سيكون مناسباً جداً للندن. كما كان فاريش يتردد في الخروج لإلقاء الخطب في بعض المناسبات العامة والتحدث على الإذاعة أو الظهور على التلفزيون. وقد قضيتُ وقتاً كبيراً من حياتي في الاستماع إلى الإذاعة ومشاهدة الأخبار على التلفزيون، ونادراً ما كنت أراه يشارك في برامج أي منهما. والواقع أنه من الصعب تصديق ذلك، إلا أنه عندما عاد فاريش إلى بلاده لم يتم تعيين أي خلف له لمدة 13 شهراً. فما الذي كان يفكر فيه البيت الأبيض يا ترى؟ ولماذا لم يقم بإرسال سفير على الفور من أجل دعم رئيس الوزراء البريطاني وقتئذ، توني بلير، الذي كان يتعرض للهجمات يومياً في البرلمان وفي الصحافة بسبب ما قام به في العراق دعماً للأميركيين؟ روبرت تاتل، وهو أميركي من كاليفورنيا في الثانية والستين من عمره، وكان لديه مشوار مهني ناجح يبيع سيارات فورد وكرايسلر للأميركيين، عُين على رأس السفارة وموظفيها الألف. وقد يعتقد المرء أن وزارة الخارجية الأميركية كانت حريصة على أن يشرع السفير الجديد في مهامه مبكراً قصد إصلاح بعض الضرر الذي خلّفه سلفه غير المرئي؛ لكن السفير الأميركي الجديد عاد إلى كاليفورنيا وغاب لعدة أشهر من أجل إنهاء شؤونه التجارية. والحقيقة أن الرجل الثاني في السفارة، وهو دبلوماسي مهني ومحنك يعمل بشكل دائم، هو الذي يدير السفارة في الواقع والسفير تتم مكافأته على الخدمات المالية وغيرها التي قدمها للرئيس. غير أن ذلك يمثل هدراً لمنصب وجيه ومهم نظراً لأن السفير لديه اتصال دوري بصفوة الناس في بريطانيا ووسائل الإعلام البريطانية. غير أن ماثيو بارزن، السفير الأميركي الجديد إلى لندن، وحسب سيرته الذاتية، يبدو مؤهلا بشكل أفضل بكثير لمنصبه المهم، مقارنة مع معظم من شغلوا هذا المنصب من قبله خلال خمسين عاماً الماضية. وعلى ما يبدو، فإن السفير هو سليل جون وينثروب، وهو محام إنجليزي من طائفة البروتستانت التطهيريين أخذ مجموعة كبيرة من المهاجرين من إنجلترا عام 1630، وهم الذين أسسوا مدينة بوسطن في أميركا. السفير بارزن درس في جامعة هارفرد ثم اشتغل في شركة «سي نيت» الإعلامية. لكنه تخلى عن منصبه كسفير إلى السويد من أجل المساعدة على تمويل حملة أوباما الانتخابية في عام 2011. ومن بين أولى المهام التي تنتظر السفير بعد وصوله إلى لندن الإشراف على بناء سفارة أميركية جديدة على الضفة الجنوبية لنهر التايمز. ومن المتوقع أن يُستقبل انتقال مقر السفارة إلى هناك، في عام 2017، بفرح السكان الذين يعيشون في الشوارع الغنية والراقية بالقرب من «جروفنر سكوير»، كما يؤمّل أن يساهم في تخفيف الازدحام المروري في محيط ما سيكون السفارة الأكثر تحصيناً في لندن. وتعتقد وزارة الخارجية الأميركية أن السفارة الجديدة ستكلف نحو مليار دولار، ومن المنتظر أن تزرع في جزء منها أشجار من أميركا الشمالية. السفير بارزن سيحاول أيضاً التنبؤ بنتائج الانتخابات العامة البريطانية، والتي من المقرر إجراؤها عام 2015، لحساب وزارة الخارجية الأميركية. وبالنظر إلى عودة النمو إلى الاقتصاد، فيبدو كما لو أن المحافظين سيفوزون بمعظم المقاعد. غير أنهم قد يحتاجون مرة أخرى إلى دعم الديمقراطيين الأحرار؛ والحال أن هؤلاء يفضلون، في هذه المرحلة، أن يكونوا مع الحزب العمالي. وقد دخل السفير منذ بعض الوقت في النقاش الدائر في بريطانيا حول المستقبل الأوروبي لهذه الأخيرة، ولفت الانتباه إلى رأي أوباما القائل بأن المصلحة الأميركية تكمن في وجود «صوت قوي للملكة المتحدة داخل اتحاد أوروبي قوي». وخلاصة القول إنه منصب جيد على ما يبدو، وفيه الكثير من ميزات الرفاهية، إلا أنه سيتعين على السفير أن يصافح 18 ألف زائر رسمي كل عام!