لم يرض بشار الأسد بالقضاء ببطء على المعارضة واستمرار الرحيل الهائل للسكان من سوريا، بل شعر فيما يبدو أنه مضطر لشن هجوم سافر بالأسلحة الكيمياوية في إحدى ضواحي دمشق قتل فيه المئات إن لم يكن الآلاف. وإذا كان هذا النوع من السلوك الفائق النذالة يبدو مألوفا لك، فأنك تفهم ما أعني. فالأسد يكرر نفس استراتيجية التخبط التي ارتكبتها قائمة طويلة من رفاقه المستبدين والطغاة. ما الجدوى؟ ولماذا يفعل الأسد شيئاً مستفزاً للغاية مقصود به بشكل واضح أن يؤدي إلى رد عسكري دولي؟ والإجابة بسيطة. الأسد، مثل الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش والرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور والرئيس الليبي السابق معمر القذافي- اعتاد على وكز الدب الكبير النائم - الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على سبيل المثال- دون أي استجابة لدرجة افترض عندها أنه يستطيع أن يفعل كل ما يحلو له في الميدان دون أن يتعرض لرد. فعلى كل حال، لا تميل الولايات المتحدة فيما يبدو إلى اتخاذ إجراء جذري حتى بعد أن أعلنت الأمم المتحدة أن هناك مليون طفل لاجئ بسبب الصراع. والإعلان القوي المبدئي للرئيس الأميركي بأن استخدام الأسلحة الكيماوية "خط أحمر" ثبت فيما بعد إنه كان إعلانا رخوا. وتحافظ روسيا والصين على جبهة موحدة في مجلس الأمن الدولي ضد عمل جماعي، ومن الواضح أن الولايات المتحدة في أقصى درجات عدم رغبتها في التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط في أعقاب تدخل مكلف في أفغانستان والعراق وليبيا. ويمكن التجاوز عن الأسد، مثل ميلوسوفيتش وتايلور والقذافي، في اعتقاده أنه لا يوجد ببساطة غضب قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل. ألم ينجح ميلوسوفيتش في تخطيط تطهير عرقي في البوسنة؟ ألم يدفع "تايلور" بسيراليون المجاورة إلى مسرح جهنمي كان المتمردون يقطعون فيه أيادي الأطفال للتسلية؟ ألم يخطط القذافي لإسقاط رحلة "بان أميركان" 103 التي قتل فيها 259 راكبا كانوا على متنها؟ نعم فعلوا، لكن الأسد، مثل أشقائه الذين خلعوا بقوة السلاح، يقدم فيما يبدو فكرة الاعتدال في الفظاعة. وقال أحد الجنرالات الصرب ذات يوم لخافيير سولانا الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو) نكتة ترددت في الأوساط، وهي أن "قرية في اليوم تبعد الناتو". بمعنى أنه إذا طرد الصرب الألبان ببطء فحسب من كوسوفو، فلا بأس عليهم. فـ"الناتو" سيرد على عملية تهجير كبيرة من الريف، لكن لن تلتفت إلى حد كبير لعملية بطيئة. كان هذا من المضحكات المبكيات لكنه وصف دقيق على الأرجح. لم تكن معظم القوى الغربية تريد تدخلاً في كوسوفو ولا تريد ذلك في سوريا أيضاً. ولذا، أصبح الأسد، مثل الآخرين، مقتنعاً أنه بالفعل سيد كل من تقع عليه عيناه. حتى بعد الهجوم بالأسلحة الكيماوية، أعلن قائلا "الفشل ينتظر الولايات المتحدة كما في كل الحروب السابقة التي خاضتها بدءاً من فيتنام وصولًا إلى اليوم". لا يعي نظام الأسد التاريخ كثيراً فيما يبدو، فالثلاثون عاما الماضية مليئة بحطام أنظمة اشتركت في هذا التبجح. والأسد محق في الاعتقاد أن أوباما يريد بشكل منفصل أن يتجنب عملًا عسكرياً في سوريا. فالخيارات التي ترتبط بمثل هذا القرار غير مستساغة لدرجة أن لدينا بالفعل معلقين يجادلون بجدية أن أفضل ما يمكننا أن نأمل فيه هو حالة لا حسم طويلة الأمد بين الأسد وقوى المعارضة، على غرار الموقف الأميركي من الحرب الإيرانية العراقية الدموية طويلة الأمد. لكن خطأ الحسابات الكبير الذي يقع فيه الأسد هو عدم إدراك أنه في مرحلة ما، ستفوق ببساطة كلفة عدم الفعل كلفة الفعل لواشنطن وحلفائها. ولن يخدم الولايات ولا الاتحاد الأوروبي ولا أي طرف آخر أيضاً أن يعتبر عاجزاً أمام مثل هذه الفظائع. هذا يقوض النظام الدولي، ويجعل من المرجح أن يسلك مستبدون آخرون نهجاً مشابهاً. وفي مرحلة ما، تكون الكلفة السياسية لعدم الفعل على المستوى المحلي والدولي أكبر من كلفة الفعل. هل يعتقد الأسد حقاً أن وزير الخارجية الأميركي والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سامانتا باور ومستشارة الأمن الوطني سوزان رايس وجميعهم جدد نسبياً في مناصبهم ولهم سجل حافل في مجال حقوق الإنسان- سينصحون الرئيس ببساطة بأن يجلس مكتوف اليدين؟ الدببة تستيقظ. وفي "البنتاجون" يبحثون كيفية تدمير عالم الأسد برمته من حوله. وعندما تقرر الولايات المتحدة أن لا خيار أمامها إلا التحرك فسيصنع الدبلوماسيون الروس والصينيون الكثير من الضجيج علنا، لكن في بكين وموسكو سيبدؤون التخطيط لحقبة ما بعد الأسد. وهذه ليست أول مرة يفعلون فيها ذلك، الخيارات في سوريا مازالت رهيبة، لكن الأسد مثل آخرين من قبله، لن يحب نهاية الصراع. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ جون نوريس المدير التنفيذي لبرنامج الأمن المستدام بمركز «التقدم الأميركي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»