تدخل عسكري في سوريا... وغموض غربي تجاه الشرق الأوسط دعوات لعدم تكرار أخطاء العراق في أي تدخل عسكري بسوريا، واستمرار حلم مارتن لوثر كينج في أميركا، وغياب سياسة غربية واضحة تجاه أحداث واضطرابات الشرق الأوسط... قضايا تصدرت اهتمام الصحافة البريطانية هذا الأسبوع. سوريا ودروس العراق طرحت صحيفة "إندبندنت" في افتتاحيتها ليوم الثلاثاء الماضي مجموعة من الأسئلة حول ما يبدو أنه استعدادات جارية في العواصم الغربية لتوجيه ضربة لسوريا إثر الهجوم الكيماوي الذي يُعتقد أن النظام قام به في الأسبوع الماضي ضد المناطق المحيطة بدمشق وأودى بحياة المئات من المدنيين، فبعد استدعاء رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، للبرلمان نهاية الأسبوع الجاري وقطعه لعطلته، ثم التحاق نائبه، نيك كليج، بلندن بعدما كان في زيارة إلى أفغانستان، والدعوة لعقد مجلس الأمن القومي، وفي ظل تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الذي وصف الهجوم على دمشق بأنه "فحش أخلاقي"، تتساءل الصحيفة عما إذا كانت هذه الاستعدادات المحمومة وقرع طبول الحرب تذكرنا بتجربة مشابهة عايشتها بريطانيا قبيل الحرب على العراق في 2003، مستفهمة أيضاً عن الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة الحرب في الشرق الأوسط التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم، فهل نحن، تتساءل الصحيفة، أمام مشهد آخر يستسلم فيه الغرب لإغراء التدخل العسكري في الشرق الأوسط مرة أخرى، رغم تعهد أوباما عندما جاء إلى السلطة بأنه يريد إنهاء المغامرات العسكرية في العالمين العربي والإسلامي؟ وهل نحن بصدد، تضيف الصحيفة، حالة أخرى يلجأ فيها الغرب للحرب دون تفويض أممي ومن دون إشراك الروس والصينيين؟ ففي جميع الأحوال، تقول الصحيفة، ما زالت نذر الحرب في طور التكهن وقد يكون الأمر مجرد محاولة أخرى للضغط على نظام الأسد للتفاوض، متأملة أن يكون كاميرون قد تعلم من دروس الحرب في العراق، والتي تجملها في التالي: أولًا انتظار ما سيكشفه فريق المفتشين الأمميين، وثانياً العمل على بناء توافق دولي واسع، لا سيما وأن روسيا لم تلغ التدخل، بل طالبت فقط بإثبات مسؤولية النظام، وثالثاً الانتباه إلى توابع التدخل على الإقليم، وأخيراً مراعاة مخاوف القادة العسكريين ومزاج الرأي العام. لوثر كنج واستمرار الحلم خصصت "الجارديان" افتتاحيتها ليوم الثلاثاء الماضي للحديث عن خطاب زعيم الحقوق المدنية الأميركي، مارتن لوثر كنج، الذي ألقاه عام 1963 ضمن مسيرة زحفت إلى واشنطن من أعماق الجنوب الأميركي مطالبة بالحرية والعدالة والفرص الاقتصادية للأميركيين من أصول أفريقية، وتستدعي الصحيفة هذا التاريخ الذي يحل ذكراه خلال الأسبوع الجاري باعتباره لحظة تاريخية فارقة في مسار الحقوق المدنية بالولايات المتحدة والعالم بأسره، معتبرة أن الخطاب ما زالت أصداؤه حية حتى اليوم بعد انقضاء خمسين عاماً على إلقائه في واشنطن تحت النصب التذكاري للرئيس لنكولن، هذا المكان، تقول الصحيفة، لم يكن اختياره عبثاً، بل جاء لتأكيد ما أخلفته أميركا وقتها من وعود سبق للرئيس الذي حرر العبيد وخاض حرباً أهلية لهذا الغرض، دون أن ترى النور، وظل الأميركيون من أصول أفريقية يعانون التمييز العنصري حتى أواسط القرن العشرين، بحيث، تقول الصحيفة، لم يكن يسمح للسود بولوج المدارس والجامعات التي يدرس فيها البيض، ولم يكن يسمح لهم بالتصويت في عدد من الولايات الجنوبية، فجاءت المسيرة التي نظمتها جمعيات حقوقية للمطالبة بالحقوق المدنية لتعيد طرح الواقع العنصري في أميركا على الأجندة السياسية، وهو ما نجحت فيه بالفعل عندما قرر جون كيندي التسريع في الاعتراف دستورياً بالحقوق الثابتة للسود وإلغاء جميع مظاهر الحيف والفصل العنصري، لكن حتى بعد الانتصارات التي حققتها الحركة الحقوقية في أميركا، تقول الصحيفة إن معاني خطاب "لدي حلم" الذي ألقاه مارتن لوثر كينج ما زلت صالحة اليوم، لا سيما في ظل استمرار الفوارق الاقتصادية والاجتماعية وتنامي التفاوت الطبقي بين الأميركيين. عواصف الشرق الأوسط تحت هذا العنوان تناولت صحيفة "فاينانشال تايمز" في افتتاحيتها يوم الجمعة الماضي الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، معبرة عن مخاوف حقيقية من تراجع مكتسبات الربيع العربي بعد رجوع مظاهر الأنظمة القديمة، ففي مصر التي عاشت أحداث عنف في الفترة الأخيرة عاد الجيش ليلعب دوراً مهماً في الحياة السياسية، ورغم خارطة الطريق المعلنة لانتخابات تشريعية ورئاسية، تقول الصحيفة إن التخوف يظل مشروعاً من إجهاض حلم الثورة الذي أطاح بنظام حسني مبارك وأطلق وعوداً بتحقيق الحرية والكرامة الإنسانية، فبعد نزول الجيش إلى الشارع وانخراطه في المعترك السياسي عُلق الدستور وفرضت حالة الطوارئ، كما لوحق عدد من وجوه المعارضة الإسلامية؛ أما في سوريا التي تعيش حرباً دامية كان آخر فصولها المروعة ما يعتقد أنه هجوم بالسلاح الكيماوي تعرضت له منطقة الغوطة في دمشق فقد قطع نظام الأسد، تقول الصحيفة، أي خط للعودة بعد إيغاله في الجرائم وسفكه دماء الشعب السوري، والوضع لا يختلف كثير في مناطق أخرى التي تمر بمرحلة مخاض أعقبت الربيع العربي مثل تونس وليبيا واليمن؛ هذا الوضع، تضيف الصحيفة، وضع الغرب والولايات المتحدة أمام خيارات صعبة، فمن جهة حاولت واشنطن في بداية الربيع العربي تبني موقف أخلاقي متقدم بانحيازها للتحركات الشعبية وتفهمها لمطالب الحرية والكرامة، لكن من جهة أخرى وبعد توالي الأحداث ودخول المنطقة في فصول جديدة وجد أوباما نفسه أمام معضلة الإفصاح عن موقف واضح في ظل غياب استراتيجية أميركية متماسكة تجاه المنطقة تتجاوز ردود الفعل التي ميزت السياسة الأميركية حتى هذه اللحظة. ولئن كان البعض في الغرب، تقول الصحيفة، ينظر إلى التحولات الجارية بارتياح لتفضيلهم التعامل مع قوى تضمن الاستقرار حتى لو كان ذلك على حساب الديمقراطية، فإن البعض الآخر يرى أن المنطقة لن تعود أبداً إلى فترة ما قبل الانتفاضات وأنه على الغرب الاستعداد لمرحلة من التحديات الأمنية القادمة من الشرق الأوسط، إذ لن يكون سهلا على أي قائد جديد فرض شروط الأنظمة السابقة سواء في مصر، حيث الاستقطاب بين النخبة السياسية ما زال قائماً، أو في سوريا التي لن يتمكن فيها نظام الأسد من بسط سيطرته على جميع التراب السوري حتى لو ظل في الحكم. تدخل وشيك دعت صحيفة "ديلي تلغراف" في افتتاحيتها للأسبوع الجاري إلى توخي الحذر قبل التفكير في إي تدخل عسكري في سوريا بالنظر إلى تجربة العراق السابقة، فرغم النزيف الإنساني المتواصل في سوريا الذي وصل حسب تقديرات الأمم المتحدة إلى أكثر من مائة ألف قتيل ونزوح أزيد من 1.7 مليون لاجئ في البلدان المجاورة، ما زالت استطلاعات الرأي تشير إلى تخوف المواطنين في الغرب من الانجرار إلى حرب أخرى مكلفة في الشرق الأوسط، وإذا كان استخدام السلاح الكيماوي يعد تجاوزاً للحدود المقبولة، تقول الصحيفة، إلا أن الوضع الإنساني المتدهور ليس جديداً، ومعاناة الشعب السوري ليست وليدة اللحظة، وهو ما يدفع الصحيفة للإصرار على ضرورة اعتماد البرلمان البريطاني في أي قرار يتخذه للتدخل العسكري على أدلة واضحة تثبت بما لا يدع مجالا للشك تورط النظام السوري في استخدام السلاح الكيماوي، فقبل الشروع في ضربة عسكرية لا بد من ضمان شرعية التحرك العسكري، كما تنصح الصحيفة أيضاً بانخراط القوى الإقليمية ممثلة في الدولة العربية حتى لا ينظر إلى العمل العسكري على أنه اعتداء غربي، ثم أخيراً، تقول الصحيفة، إنه على التحرك العسكري ألا يخرج عن هدف تسهيل الوصول للحل السياسي ودفع النظام إلى طاولة المفاوضات والابتعاد عن أي إغراء لإسقاط النظام. إعداد: زهير الكساب