ذكرنا في مقال أول من أمس بأنه لا يمكن تقييم تجربة «الإخوان» في الخليج دون معرفة واضحة لطبيعة تعامل كل دولة خليجية مع «الإخوان» تاريخياً. التجربة القطرية مع «الإخوان» فريدة من نوعها، فرغم حقيقة أن الوجود «الإخواني» في قطر، قد بدأ في الخمسينيات بعد حملة عبد الناصر عليهم في مصر وهروبهم للخليج، حيث استقرت قيادات «الإخوان» المعروفة في قطر ومنهم القرضاوي، فقد وثق قادة «الإخوان» علاقتهم مع الأسرة الحاكمة في قطر، وقد يكون ذلك أحد الأسباب التي أدت إلى حل تنظيم «الإخوان» في قطر عام 1999. وأصبح «الإخوان» تياراً داخل المجتمع القطري. علاقة «الإخوان» بقطر علاقة متميزة تاريخياً ولا تزال .. فهي الدولة الخليجية الوحيدة التي لا تزال تدافع عنهم عبر محطّة «الجزيرة»، وقد اتخذت قطر موقفاً معارضاً لاقتحام ميدان رابعة العدوية وما حصل بعدها من مطاردات واعتقالات. تنظيم الإخوان المسلمين في الكويت بدأ عملياً وفعلياً عام 1952 بإنشاء جمعية الإرشاد الاجتماعي على يد الحاج عبد العزيز العلي المطوع الذي التقى بالمرشد العام حسن البنا في مكة عام 1947، حيث طلب منه البنا إنشاء فرع للجماعة. في عام 1962 أنشئت جمعية الإصلاح الاجتماعي، حيث ركزت الحركة في بدايتها على الجانب الدعوي والديني .. لكن نشاط الجمعية سياسياً توسع بشكل كبير بسبب تحالفهم مع الحكومة ضد التيار القومي والناصري في الستينيات والسبعينيات .. مع أفول التيار القوي ازداد نشاط تيارات الإسلام السياسي وأصبح «الإخوان» يملكون مؤسسات مالية وتجارية كبرى. أما من الناحية السياسية، فاستطاع تنظيم «الإخوان» الهيمنة على الاتحاد الوطني لطلبة الكويت وجمعية المعلمين بالكويت والعديد من النقابات العمالية ويتحكم الإخوان اليوم بالجمعيات الخيرية الإسلامية التي يفوق عددها مئة جمعية، كما أنهم يتحكمون ببعض الجمعيات التعاونية بقبول ورضا الحكومة رغم معارضتهم المعلنة لها. السؤال لماذا تقبل الحكومة مهادنة «الإخوان» وتوكل إليهم إدارة لجنة الوسطية في وزارة الأوقاف؟ الجواب أن الحكومة تعي قوة «الإخوان»، فهي تريد أن تلعب لعبة التوازنات السياسية مع «الإخوان» والسلف والشيعة والبادية والحضر، وقد برعت الحكومة في هذه اللعبة السياسية. الآن وبعد أن استعرضنا علاقة دول الخليج بالإخوان المسلمين تاريخياً، هل تستطيع دول الخليج التخلي عن «الإخوان» أو محاصرتهم؟ أو إبعادهم عن العمل السياسي في بلدانهم. نقولها بكل صراحة ووضوح إن معظم دول الخليج باستثناء السعودية والإمارات لها ارتباطات مع «الإخوان»، وكل الكلام عن تضييق الخناق على «الإخوان»، أو ملاحقتهم ليس له أساس من الصحة، وما هو إلا كلام للاستهلاك الإعلامي ضمن لعبة التوازنات. دول الخليج النفطية الريعية دول محافظة تتخوف من التغير والحداثة، فهذه الدول لم تخطو خطوات حادة نحو التغير والحداثة بالعمل على تحديث مجتمعاتهم وتحميلهم مسؤولية التنمية والعمل الجاد على تقليص اعتمادهم على النفط كمصدر وحيد للدخل. التجربة الخليجية الوحيدة التي تعمل جاهدة نحو تقليص اعتمادها على النفط هي تجربة الإمارات وتحديداً في دبي، حيث نجحت في التحول إلى مركز تجاري ومالي وسياحي في فترة قصيرة، ويأتي هذا النجاح بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي .. لذلك اصطدمت جماعات «الإخوان» بالدولة مبكراً في دولة الإمارات. نتوقع أن تبقى علاقة معظم دول الخليج مع «الإخوان» ضبابية وغير واضحة لأن من مصلحة الأنظمة الإبقاء على علاقة طيبة مع «الإخوان» لاعتبارات داخلية بحتة تتعلق بمصلحة «الإخوان» وبعض دول الخليج. وهذا يعني بأن بعض دول الخليج ستبقى صديقة لتنظيم «الإخوان» ما دام ذلك يخدم مصالحها .. ما عدا السعودية والإمارات وقد شرحنا أسباب ذلك.