غريبة جداً لغة الإقصاء التي نراها قابعة في كل حوارات الرأي سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو الحديثة كوسائل التواصل الاجتماعي، فماذا سيحدث لو منحت الطرف المخالف فرصة للحديث أو التعبير عن فكرة أو رأيه أياً كان؟ ما انقشعت عصور الظلام في أوروبا إلا بعدما فتحت أبواب النقاش، وبدأت جماعات الرأي تتشكل، وتكون أفكاراً وآراء تحفز على طرح الأفكار، بعيدة عن سطوة الرأي الديني المهوس بالعنف لكل معارضيه. تراجع ذلك ليتقدم فكر مختلف تحرر من قيود الإملاءات، ويتجه نحو الفكر النهضوي القادم من عمق مظلم متعطشاً للضوء مهما كان خافتاً. وكان أن انتشر الضياء، وصار تداول الأفكار والآراء حالة صحية مفعمة بالآمال لمستقبل أدبي مختلف عن سنوات طويلة من الكبت والصمت. وعندما يمارس البعض فعلاً جاهلاً، ويدعي أنه من أصحاب الرأي الصحيح والفكر، فإن أي خطوة صحيحة للأمام، لن تكون مادام الآذان لا تسمع إلا صوتها ولا تصدق إلا حديثها. هذه الأحادية تعني في نهاية المطاف سقوطاً مفخخاً بالخطايا، وسيراً أعرج نحو الهاوية والنهاية، فلا مناص من الانصات للآخر. ومن خلال احتضان كل المخالفين، تبدأ عملية الارتفاع نحو علو واعد بالأفضل، فإذا اختلفت معي، فإنك لست بالضرورة عدوي إنما هي لغة تحاور وبناء مشترك، يتطلب الاختلاف حتى يحدث الامتزاج الطبيعي والمؤثر في السير نحو فكر الحضارة وبناء الشخصية المستقلة القادرة على تفعيل دورها دون أن تغرق في جنون توحدي لا نهاية له إلا السواد. ولعل التجربة الشعرية أكبر دليل على ضرورة الاستماع لكل الأصوات الناقدة، فلابد من ضعف ما، وهنا يأتي دور أصحاب الخبرات في انضاج التجربة وتحويلها إلى موهبة قادرة على الصمود وعلى حجز موقع نافذ وسط تاريخ مكتظ بأسماء اللامعين. واللافت أن فرض الرأي الأوحد أوجد مخالفين كثيرين، فالاختلاف جاء من أرضية رافضة للآخر، وبالتالي بهت اللون الواحد، وإلا لماذا يدعي البعض انفراداً عن كل الثقافات وترحيباً بكل جنسيات العالم، ثم يقولون عذراً لا صوت يعلو على أصواتنا. فالمتوحد والرافض للتطوير هو الذي يدعي أنه بلا أخطاء، وهو الذي يتراجع عن كل إنجازاته، لأنه لم يدرك هوة الصمت، الذي يعيش في ظله رغم كل الأصوات التي تنطلق من حوله. احترام الآراء حالة حضارية ملحة وضرورية، وحق الآخرين في إبداء أفكارهم حق أصيل يستدعي الاحترام أياً كان. وحتى نحرز أهدافاً تدفعنا للأمام، علينا أن ننصت لكل ما يُقال، ولكل الآراء، وأن نفتح أبوابنا للجميع، فالرأي الصالح نافذ وباق، والرأي الانتهازي سيقع عاجلاً في فخ المصالح الضيقة المتلاشية. ومن ثم على من يعلم صحة أدائه ألا يخاف من النقد أو المخالف له، لأن الصدق والقاعدة الصلبة ضمان مؤكد لاستمرار محفز النجاح والبقاء دائماً للأنفع والأصدق.