تغيرت علاقة الولايات المتحدة بمصر على مدار الأعوام. فعندما جاء عبدالناصر إلى السلطة، حاول الرئيس الأميركي كيندي إقامة علاقات جيدة معه، مما أفاد لفترة زمنية على ما يبدو، لكن فكرة القومية العربية لدى عبدالناصر والأهمية المتزايدة لأمن إسرائيل لدى الأميركيين تدخلتا في الأمر. وبدأت مبادرة السادات بالذهاب إلى القدس وأتبعها كارتر، ليساعد في تعزيز السلام، بدعوة السادات وبيجين إلى كامب ديفيد. وتوسط كارتر في اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، لم يكن مثالياً بحال من الأحوال، لأنه تجاهل البعد الفلسطيني، لكنه أحلّ السلام بين إسرائيل ومصر. ومنذ السادات، وللولايات المتحدة علاقات جيدة بالحكومة المصرية على عدة متسويات، كلها تتعلق بالسياسة الخارجية المصرية. أولًا، حافظت مصر على اتفاق السلام مع إسرائيل لمدة ثلاثة عقود. والأمن الإسرائيلي مهم للإدارة وللكونجرس الأميركيين. ثانياً، قدمت الولايات المتحدة لمصر منذ عهد السادات أكثر من مليار دولار سنوياً في صورة مساعدات عسكرية واقتصادية. ثالثاً، حافظت الولايات المتحدة على علاقات وثيقة مع الجيش المصري، وتجرى سنوياً مناورات عسكرية مشتركة يطلق عليها «النجم الساطع»، عززت العلاقات الثنائية الشخصية والرسمية. وقد أدرك الجانبان قيمة العلاقات الوثيقة بين المؤسستين العسكريتين. ولم تكن الشؤون الداخلية المصرية في مرتبة متقدمة على قائمة أولويات صانعي السياسة الأميركيين. وقد تحدث بوش الابن لفترة من الوقت عن تعزيز الديمقراطية، لكن هذا الجهد لم يدم. وبين حين وآخر، باشرت الحكومة الأميركية ومؤسسات أميركية خاصة ببعض البرامج في مصر تتعلق بالشؤون المصرية الداخلية، لكنها كانت برامج محدودة النطاق، وكانت تنفذ بالتعاون مع مؤسسات مصرية خاصة. بيد أن الكثير من المصريين يعتقدون أن للولايات المتحدة تأثيراً على الشؤون الداخلية لبلادهم أكبر مما في الواقع. ولأنني عملت في السفارة الأميركية بالقاهرة لست سنوات، أعلم أن التأثير الأميركي على الشؤون الداخلية المصرية محدود للغاية. ورغم أن الحكومات المصرية تتخذ قراراتها، يظل الانطباع قائماً بأن أميركا، بطريقة ما، تتحكم في الأحداث المحلية. وتفاقم سوء الفهم هذا بشأن الدور الأميركي في مصر منذ عام 2011، عندما أُطيح بمبارك من السلطة. وكانت انتفاضة 25 يناير أمراً مصرياً خالصاً، دعمه حياد الجيش المصري الذي لم يقم بذلك بناءً على أوامر من الأميركيين أو من أي شخص خارج البلاد. واُتهم الأميركيون بهتاناً بأنهم ضالعون في الإطاحة بمبارك، لكنهم في الواقع استغرقوا بعض الوقت كي يدركوا أن حكمه انتهى. ثم عندما فاز «الإخوان» بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، انتشرت شائعات بأن الولايات المتحدة ضالعة في ذلك، وهو أمر غير حقيقي أيضاً. وعندما كنت في القاهرة (مارس الماضي)، قال لي كثير من المصريين إنهم لا يروقهم مرسي، وسألوا: لماذا «تبقيه» الولايات المتحدة «في السلطة»؟ لم أقل لهم إنهم مخطئون، فالولايات المتحدة لم تضعه في السلطة ولا تبقيه فيها، فهذا ليس شأنها. لكن المصريين قالوا إنهم لاحظوا أن السفيرة الأميركية تلتقي بمرسي دائماً، واستنتجوا من ذلك أنها تتآمر معه ضد الشعب المصري. حاولت أن أشرح أن العمل الأول لأي سفير أميركي في بلد أجنبي هو الحفاظ على علاقات طيبة مع الحكومة المضيفة مهما يكن أمرها. وإذا كانت السفيرة باترسون تجتمع بشكل منتظم بمرسي، فإنها تقوم بعملها فحسب. وهي تجتمع أيضاً مع أشخاص آخرين من بينهم خصوم مرسي، وهذا أيضاً جزء من عملها. فهي موفدة أميركية رسمية، ولذا فمن الملائم تماماً أن تجتمع بالمسؤولين الرسميين. وقد أفادت تقارير صحفية أن باترسون أشارت على مرسي في تلك الاجتماعات بأنه يجب أن يكون أكثر تعاوناً مع المعارضة غير الإسلامية، لكنه رفض نصيحتها. وبعد الإطاحة بمرسي، في الثالث من يوليو، بدأ أنصاره يتهمون الولايات المتحدة بالضلوع في ذلك، أي أن واشنطن دفعت الجيش المصري للإطاحة بمرسي من السلطة. لكن مرة أخرى، كان هذا سوء فهم تام للعلاقات الأميركية المصرية. فواشنطن لم تطح بمرسي، تماماً كما لم تأت به إلى السلطة. ويتابع أوباما السياسة الأميركية التقليدية في محاولة للحفاظ على علاقات جيدة مع الزعماء المصريين في السلطة مهما يكن من أمرهم. وأقام أوباما وكبار مسؤوليه بالفعل اتصالات مع كبار المسؤولين الذين يتولون مقاليد الأمور في القاهرة حالياً، ومازالت العلاقات الثنائية جيدة. ويقول بعض الأميركيين إنه يجب على أوباما قطع المساعدة الاقتصادية والعسكرية عن مصر، لأن هناك قانوناً أميركياً يقضي بقطع المساعدات المالية الأميركية لأي بلد يطاح فيه برئيس منتخب ديمقراطياً بانقلاب عسكري. لكن أوباما لا يريد أن يفعل هذا، بل يريد الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الحكومة الجديدة، ولذا رفض أن يصف أحداث يوليو التي أطاحت بمرسي بأنها انقلاب عسكري. إنه يتبع، مرة أخرى، مبدأ أن الولايات المتحدة تتعامل مع الحكومة الموجودة في السلطة. ولا يفهم الأشخاص من خارج الحكومة الأميركية هذا المبدأ بشكل جيد، ولا يصدقونه إلا نادراً، لكن بالنسبة لأشخاص أمثالنا، من داخل هذه الحكومة، فهذه قاعدة أساسية.