في وقت سابق من هذا الشهر، شاهد ملايين الأميركيين مرافعة أوباما ضد روسيا ضمن برنامج «جاي لينو»، ولكن في الشرق الأوسط، حيث حدة التوتر الروسي الأميركي المتنامي قد تجعله مسألة حياة أو موت، كان ملايين آخرون يستمعون إلى وجهة نظر موسكو عبر قناة تحظى بشعبية متعاظمة. إنها قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية التي تدعمها الحكومة الروسية. وهذا التأثير الذي تحظى به القناة على العرب، يعكس القوة الروسية الناعمة الآخذة في التزايد والاتساع في الشرق الأوسط، وقد استعدّت للتأثير بعمق في سياسات المنطقة. ليس ذلك خبراً سيئاً بقدر ما هو رهن بكيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها معه. في العالم الإسلامي، لطالما كانت سياسة موسكو المعادية لأميركا متشابكة مع معارضتها الشرسة للجماعات الإسلامية. كلنا يتذكّر الثمانينيات، حين كان المحتلّون السوفييت و«الأفغان الحمر» يخوضون معارك ضد الجهاديين المدعومين من الولايات المتحدة. بل إنّ هذه الصراعات تعود إلى ستة عقود مضت: منذ الخمسينيات، فقد دعمت موسكو الاشتراكية العربية التي رفعها عبدالناصر ومناصروه على رقعة الشرق الأوسط. وبكلمات أخرى، دعمت موسكو عدو «الإخوان المسلمين» اللدود. وهذه الممارسات الخارجية وغيرها إنما تعكس الموقف الرافض الذي مارسته روسيا ضد الإسلام السياسي طوال أجيال ضمن حدودها الجغرافية، خصوصاً في الحرب الدموية في الشيشان. وما تعيشه الآن من تفجيرات وإرهاب يجتاح منطقة شمال القوقاز، في مقاطعات روسية ذات كثافة سكانية مسلمة عالية. ويرى الباحث الأميركي جوزيف براودي أن هذا التاريخ الطويل أوجد شبكة متنامية من النخبة في العالم العربي ممن عارضت «الإخوان المسلمين» والجماعات السلفية، وتعاملت مع روسيا بوصفها صديقاً، أو قوة معادية للإسلاميين وجديرة بالثقة على الأقلّ. كما أنه أفرز خبراء روس يتحدثون العربية بطلاقة متناغمين في الفكر، بزّوا نظراءهم الأميركيين في إجادتهم اللغات وشبكة علاقاتهم ومعارفهم الواسعة. وفي المقابل، ينظر العرب المعتدلون اليوم إلى الولايات المتحدة على أنها داعمة للإسلاميين أو تفتقر إلى أجندة سياسية متناغمة ومتماسكة. في حين تتقدم قوة روسيا الناعمة التي تعمل طوال أيام الأسبوع وساعاته من خلال قنواتها المتعددة، ومن خلال قناة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية. هنا، يطل الروس ليعلّقوا على الأحداث والأخبار بلغة عربية لا تشوبها شائبة جنباً إلى جنب مع زملاء وضيوف شرق أوسطيين. وينكبون بلا كلل على انتقاد أفكار ودوافع «الإخوان» والجماعات السلفية، ويلومون الولايات المتحدة على صعود «الإخوان المسلمين»، مركزين على توفير وكالة الاستخبارات الأميركية الدعم لـ«الإخوان» في مواجهة عبدالناصر في الستينيات، وللجهاديين الأفغان في الثمانينيات، وصولاً إلى تسامح أوباما مع الإسلام السياسي منذ اندلاع «الربيع العربي». والنتيجة أنه حتى المشاهدون الغاضبون من الدعم الروسي لنظام الأسد في دمشق، سيتأثرون بما يرون أنه أجندة واضحة لدحر القوى الدينية الرجعية في العالم العربي، ودعم حقوق المرأة والأقليات والعلمانيين. والآن، في خضم الرفض الشعبي متضافراً مع الحملة العسكرية التي يشنها الجيش المصري على «الإخوان المسلمين»، وموجة الغضب العارمة في المنطقة ضد الإسلاميين، يتصاعد اليوم تأثير قناة روسيا اليوم. وقد ترجم ذلك في إحصاءات تظهر تفوّق «روسيا اليوم» بأشواط على منافستها الأميركية قناة «الحرة». كما يشير إلى ذلك جوزيف براودي، وعلى رغم أهمية هذا المعطى، إلا أنه لا يعني انهزام الإسلاميين في سوريا ومصر، وتونس ليبيا. بل يعني أن الحرب الإيديولوجية في المنطقة ستستعر أكثر مع انتقال العبء إلى معارضي الإسلاميين وتوليهم مسؤولية رسم رؤية بديلة للعالم العربي. منصور النقيدان ilovereform@yahoo.com