تغيير منطقة الشرق الأوسط لأجل إدماجها في ثقافة العالم هي الاستراتيجية التي تسعى لتحقيقها الولايات المتحدة الأميركية، فأحداث سبتمبر وما تلاها من حرب على الإرهاب تشكل لنا منبع الفهم لضرورة التغير في المنطقة العربية. وكانت البداية مع العراق لإحداث التغير بهدف تحقيق اهتزاز في طبيعة العلاقة بين الحلفاء التقليديين في الدول الإسلامية كما يراها راسم الاستراتيجية الأميركية، فبعض هؤلاء الحلفاء، في نظره، هم من يقف وراء تنامي ظاهرة الراديكالية الإسلامية، فجاء العراق ليشكل المنفذ لخريطة جديدة للمنطقة، إلا أن الإخفاقات الكبيرة ما زالت تعيق تبلور تحالف جديد يؤدي الغرض المطلوب. وفي جلسة خاصة جمعتنا ببعض المهتمين بآلية صناعة السياسات العامة في أميركا قالوا إن تحالفنا مع دول إسلامية كان خوفاً من صعود حركات إسلامية راديكالية، فما كان من صانع القرار الأميركي إلا مد يد العون للحلفاء التقليديين. وبعد الحادي عشر من سبتمبر تغير كل شيء، فبعض حلفاء الأمس أصبحوا في دائرة الشك، بل تشكلت دوافع نحو تغيير نمط التحالف والسعي لخلق بيئة إسلامية جديدة تملك القدرة على الاندماج مع ثقافة العالم وتحد من تنامي الفكر المتطرف، وهذا ما دعا أميركا والغرب للدفع نحو ضرورة التحديث والتغير في المنطقة العربية. ومعروف أن هذه المنطقة تعرضت لحركات دينية ومدنية بعضها وخصوصاً المدنية منها لم تستطع أن تحقق حلم التغير، بل كرست الانفرادية والشمولية مما أدى إلى تنامي الإحباط العام وإعطاء الفرصة لظهور نزعات دينية راديكالية تسعى إلى القطيعة مع الغرب. وإذن فالمطلوب يتجسد في تجفيف منابع الإرهاب، والحد هنا منه، المعلن ومنه الخفي. وفي تركيا يحكم الآن حزب العدالة والتنمية ذو الصبغة الإسلامية، إلا أن النموذج التركي شكل دافعية جديدة لإعادة إنتاجه في المنطقة العربية، ومع ذلك فالمتابع لشأن المنطقة يجد أن تجربة الحركات الإسلامية السياسية قد منيت بالفشل، وهذا ربما ما خضع لبعض الفحوص منذ تولي جماعة «الإخوان» للحكم في مصر، حيث سقطت تجربتها هناك. وفي المغرب هنالك أيضاً نموذج «إخواني» آخر، كما هو الحال في تونس، وهما نموذجان ما زالا في طور التشكل ولم تظهر قدرتهما على نقل المجتمعين نحو التوازن والقضاء على منابع الإرهاب. قد نتفق ونختلف حول تحليل مدارس العنف الديني إلا أن الكل يجمع على أن المنتج الموبوء بالعنف لم يكن فقط نتاجاً لسياسة إقليمية عربية بقدر ما كان خياراً باركته وساندته أميركا ودول الغرب في حربها ضد الروس في أفغانستان. وأما خيار التحالف مع «الإخوان» فهو ليس بالخيار الغربي الأمثل وخصوصاً بعد فشلهم في السلطة في مصر. أما مدارس العنف الديني الأخرى فهي اليوم تنتشر بأفريقيا وآسيا. ويمكن مواجهة خطرها من خلال دعم فهم جديد لضرورة التحديث السياسي، ومعالجة سلبيات الاستفراد بالسلطة السياسية والمالية، التي أدت أحياناً إلى تشوهات اجتماعية شكلت دافعية لنهوض مدارس العنف. إن التحديث السياسي لا يعني الأخذ بنموذج الديمقراطية الغربية بقدر ما يجب معالجة الخلل في هيمنة الدول، واستفراد طبقة سياسية بكل شيء، دون التفكير في تداعيات الاستفراد على تطوير شبكة العنف التي نسجت خيوطها العالمية وتحولت إلى خطر داهم يهدد استقرار العالم.