«نهاية العالم تبدأ في دمشق»...و«الحقائق المؤكدة» تزعج الإسرائيليين أصداء استخدام النظام السوري للغازات السامة ضد المدنيين، وحدود الرد الأميركي على التصعيد السوري، ومدى تخوف المفاوض الإسرائيلي من "الحقائق الفلسطينية المؤكدة"، المتعلقة بحدود الـ 67 … موضوعات نضعها تحت الضوء ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الإسرائيلية. بشاعة في القرن الحادي والعشرين يوم الخميس الماضي، وتحت عنوان "نهاية العالم تبدأ في دمشق"، كتب "آري شافيت" مقالاً في "هآرتس" استغربت في مستهله من التطورات السورية الأخيرة، فكيف يحدث هذا في القرن الحادي والعشرين، كيف يستخدم طاغية سلاحاً كيمياوياً ضد شعبه المتمرد على حكمه. ربما ترفض العين القبول بالصور التي بثتها وسائل الإعلام عن مقتل الأطفال والنساء في سوريا جراء التعرض لغازات سامة. وهذا حدث بالفعل بعدما تم تجاوز كل "التابوهات" المتعلقة باستخدام الطائرات الحربية والمروحيات والمدافع والصواريخ، ما يعني أن استخدام الأسلحة غير التقليدية بات سقفاً تم تجاوزه أيضاً، حيث أشارت تقارير إخبارية إلى أن دمشق التي لا تبعد كثيراً عن إسرائيل، والتي تسعى تل أبيب لإبرام سلام معها يقتل العرب فيها أنفسهم باستخدام الأسلحة الكيمياوية. "شافيت" يشير إلى أن حصيلة القتلى في سوريا منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار قد تجاوز بالفعل 100 ألف قتيل. وخلال عامين ينزف جار إسرائيل الشمالي (سوريا) بطريقة لم تحدث طوال سنوات أو بالأحرى عقود طويلة من النزاع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويقول الكاتب: الآن ثمة استخدام للسلاح الكيمياوي في سوريا، لكن العالم لا يريد الاعتراف بذلك. ويلفت الكاتب الانتباه إلى أن الأسلحة الكيمياوية استخدمت شرق العاصمة دمشق، ما يعني أن "الربيع العربي" ونظام بشار قد اجتازا ما وصفه الكاتب بـ"الخط الأسود". لكن الانتفاضة العربية التي تحمس لها الغرب أصبحت حدثاً مفعما بالغموض. لا أحد يستطيع تجاهل ما حدث في دمشق، كما أن العالم المستنير ليس بمقدوره البقاء صامتاً، وما يُدفن في دمشق الآن ليس الضحايا الأبرياء فقط، بل يتم دفن مفهوم القومية العربية المستنيرة، والأمر نفسه يتعلق بالتصور القائل بوجود ضمير لدى الغرب، وعند دفن الأطفال والنساء ممن قضوا جراء الغازات السامة، سيتم أيضاً دفن مثاليات كالمجتمع الدولي والقانون الدولي. وإذا كان المدنيون يتعرضون للموت بالغازات السامة في 2013، فإننا نواجه نهاية العالم الذي يتعين عليه أن يصبح أخلاقياً ومستنيراً، إنها نهاية لعالم يبحث نظام دولي يكون الشرق الأوسط جزءاً منه. رد أميركي من جانبه كتب "ياتزاك بنهورين" تقريراً نشرته "يديعوت أحرونوت" يوم أمس، رصد خلاله رد فعل وزارة الدفاع الأميركية على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا وتحديداً في شرق دمشق. فتحت عنوان "الولايات المتحدة تفكر في رد عسكري على الهجمات السورية"، استنتج الكاتب أن البنتاجون قامت بتحديث قائمة الأهداف السورية التي يتعين قصفها إذا تبين صحة المزاعم الخاصة باستخدام نظام بشار أسلحة كيمياوية. الكاتب استند إلى تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، ومفاده أن قائمة الأهداف السورية المستهدفة تأتي في إطار الاستعداد لقرار سيتخذه أوباما بعد الخلاصة التي توصل إليها الخبراء بشأن استخدام السلاح الكيمياوي في ارتكاب مجازر داخل سوريا، والذي يعد الأسوأ منذ عقدين. اللافت- حسب التقرير- أن المسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا إعادة النظر في الخيار العسكري جراء استخدام السلاح الكيمياوي داخل سوريا، أكدوا أن هدف الرد العسكري لن يكون الإطاحة بنظام بشار، بل معاقبته إذا ثبت أن حكومته تقف وراء استخدام الغازات السامة شرق دمشق يوم الأربعاء الماضي. الخيارات العسكرية الأميركية تشمل هجمات محتملة ضد منشآت حكومية سورية لها صلة بالمجهود الحربي، إضافة إلى هجمات ضد أنظمة وتجهيزات عسكرية استُخدمت الأسبوع الماضي في شن الهجوم بالغاز ، أو تسهيل الهجوم سواء كانت تجهيزات خاصة بالقيادة والسيطرة أو بطاريات مدفعية. وحسب التقرير ، أول من أمس الخميس، التقى مسؤولون كبار من "البنتاجون" مع نظرائهم في وزارة الخارجية والاستخبارات، لفترة استمرت 3 ساعات ونصف داخل البيت الأبيض لمناقشة الخيارات الأميركية تجاه سوريا، والتي تشمل شن هجمات على سوريا باستخدام صواريخ "كروز" أو ضربها بغارات جوية. اللقاء انفض دون قرار، في ظل مؤشرات على انقسام يزداد حدة بين جناح أميركي يدعم توجيه رسالة قوية للأسد وآخر يرى أن الخيار العسكري الآن ضد بشار سيأتي في توقيت خطأ. «حقائق ثابتة» وتحت عنوان "حقائق ثابتة اصطناعية"، نشرت "جيروزاليم بوست" يوم الخميس الماضي مقالاً لـ"ديفيد واينبريج"، استهله بالقول إنه مع استمرار جولة جديدة من محادثات السلام، لا يوجد مؤشر على أن القادة الفلسطينيين يفهمون أن عليهم القبول بحلول توفيقية من أجل الوصول لاتفاق سلام مع إسرائيل. لكن حدث العكس، فالفلسطينيون يفترضون أن مطلبهم الخاص بدولة وفق حدود 1967 حقيقة واضحة لا فكاك منها. ويتساءل الكاتب، وهو الشؤون العامة بمركز "بيجن- السادات" للدراسات الاستراتيجية: لماذا يفكر الفلسطينيون على هذا النحو؟ الإجابة تكمن في أن المجتمع الدولي أعطاهم ما يوصف بـ" تعهد" بأن "الشرعية الدولية" تعني "الضفة الغربية"، وأن خطوط1967، هي حدود الدولة الفلسطينية المرتقبة. الأوروبيون وأغلبية داخل الأمم المتحدة يقرون بهذا المنطق كونه "حقيقة مؤكدة". ويقول "واينبريج" إن المجتمع الدولي أمضى جيلاً كاملًا في تضخيم التوقعات الفلسطينية، والنتيجة أن مطالب الفلسطينيين منذ انطلاق عملية أوسلو مطلع التسعينيات، لم تتطور ولم يطالها التحديث. وحتى واشنطن نفسها ارتكبت خطأ في هذه المسألة، حيث بدأ أوباما الحديث عن حدود 1967 منذ خمس سنوات باعتبارها "شيئاً مقدسا"” إلى حد ما، كما أن وزير الخارجية الأميركي طمأن الفلسطينيين بأن الدعم الأميركي لحدود 67 كقاعدة للدولة الفلسطينية، وبناء عليه، أدلى صائب عريقات بتصريح لإحدى المحطات الإذاعية مفادها بأن الأميركيين منحوا الفلسطينيين تطمينات مكتوبة في مسألة الحدود. وينتقد الكاتب هذه التطمينات، قائلاً إن الغرب يشجع الفلسطينيين على العناد وينزع الواقعية عن عملية السلام. ومع القبول بـ"الحقائق المؤكدة"، لن تكون السلطة الفلسطينية بحاجة إلى حلول توفيقية، وأسوأ ما يمكن حدوثه أن تتوقف المحادثات، وأن يتم إلقاء اللوم على إسرائيل كونها ترفض القبول بهذه "الحقائق"، وبعدها يعود الرئيس الفلسطيني إلى الأمم المتحدة، والمحكمة الجنائية الدولية ويطالب بتجريم إسرائيل وفرض عقوبات عليها، والعالم الذي يقر بـ"الحقائق "سيتعاطف مع المطلب الفلسطيني. "واينبريج" دعا وزير الخارجية الأميركي إلى الضغط على الفلسطينيين لسد ما يراه الكاتب "فجوة في السلام"، فكيري لا يستطيع تجاهل حقيقة مفادها أن كثيراً من القيادات الدينية والسياسية الفلسطينية ينكر العلاقة بين الشعب اليهودي و ما يعرف "أرض إسرائيل" ويرفض القبول بشرعية وجود إسرائيل في الشرق الأوسط كدولة يهودية. وهؤلاء الفلسطينيين يطالبون بعودة اللاجئين الفلسطينيين ممن نزحوا قبل 1967، من أجل إغراق الدولة اليهودية، ويؤيدون ويمجدون منفذي العمليات الانتحارية ومطلقي الصواريخ صوب إسرائيل بما فيها الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة. ويدّعي الكاتب أن إسرائيل غيرت مواقفها بشكل واضح خلال الثلاثين عاماً الماضية، فبدلاً من إنكار حق الشعب الفلسطيني في الوجود تم إقرار هذا الحق والاعتراف بالطموحات الفلسطينية، وبعد الإصرار على فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة، تم القبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة والقطاع، كما انسحبت إسرائيل من غزة وسمحت للحكومة الفلسطينية بفرض سلطتها على 95 في المئة من سكان الضفة، وقدمت تل أبيب للسلطة الفلسطينية 3 عروض بإنشاء دولة فلسطينية على 90 في المئة من أراضي الضفة إضافة إلى قطاع غزة. ووفق التحليل الذي سرد له "واينبريج" ثمة فجوة ببن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي تتعلق بجاهزية كل منهما للسلام، ومع ذلك ليس صحيحاً أن كل منهما مستعد بنفس الدرجة لحل توفيقي أو القبول بتضحيات صعبة من أجل السلام. إعداد: طه حسيب