استخدم مصطلح الفطر للمرة الأولى في تاريخ العلم على ما جاء في أول تلكس أرسل للقيادة الأميركية بعد انفجار القنبلة فوق رؤوس اليابانيين. كان الطيارون الأميركيون يفركون أيديهم من قوة الإنجاز وحسمه، ووجه ليزلي جروفز يطفح بالبشر والسرور، الجنرال المشرف على المشروع العسكري ابن القس البروتستانتي في لوس آلاموس، الذي لم يندم لحظة واحدة على ما حصل حتى بقية حياته، ووجه الرئيس الأميركي ترومان يشع بالغطرسة والتجبر؛ فبدأ يفرض في مؤتمر برلين على ستالين شروطاً مستحيلة بعد أن سكر بخمر القوة. وفي الوقت نفسه كان أهل مدينة هيروشيما يحترقون بالنار ذات الوقود، يذوبون ويشوون، ويموت بالجملة والمفرق الأطفال والنساء، الشباب والعجائز؛ فالكارثة كانت تنزل عليهم شواظاً من نار ونحاس، ترمي بشرر... وكأن القيامة قد قامت! ومن المفارقات العجيبة التي كشف عنها العلم النووي لاحقاً أن قنبلة هيروشيما كانت تزن 60 كيلوجراماً من اليورانيوم 235 المخصب ولم ينفجر منها سوى 700 جرام أقل من كيلوجرام واحد -لحسن حظ أهالي هيروشيما فلم يكن ليبقى منها شيء لو انفجرت كل طاقتها، بمعنى أن كمية التفجير بلغت 2% فقط من كميتها! وأما قنبلة ناجازاكي فقد وزنت 6,2 كلغ وتفجر منها 3,1 كلغ بمعنى أن ما تفجر منها 21% ولذلك عمد فريق التسلح النووي لاحقاً لتطوير نظام الحقن المدعم بجرعة إضافية من مادة التريتيوم لتحقيق أكبر كمية تفجير ممكن من المادة. وعندما اشتعلت كرة النار على ارتفاع 550 متراً فوق مستشفى «كا أورو شيماس» في مركز مدينة هيروشيما اليابانية، في تمام الساعة الثامنة صباحاً و16 دقيقة، من يوم السادس من أغسطس عام 1945 كان العالم يدخل حقبة جديدة، ليس بفعل الحرارة الجهنمية التي وصلت إلى 300 ألف درجة بحيث تبخر المستشفى بمن فيه من المرضى، ولكن بفعل امتلاك طاقة الوقود الشمسي أيضاً. وهذا التطور يعتبر نوعياً في تاريخ الجنس البشري؛ فقد كان تاريخ القوة حتى تلك اللحظة يصعد تدريجياً في الطاقة النارية، ويعني خسارة فادحة في الجنس البشري مع كل نزاع، أما هذه المرة فأصبح بإمكان الإنسان أن يفني جنسه للمرة الأولى في تاريخه، حين امتلك سقف القوة، ووضع يده على طاقة من النجوم. حصل هذا تحت ضغط تلك الحقيقة العلمية، أكثر من مواعظ الأخلاقيين، وتعاليم المصلحين ورجال الدين! لقد دلف العالم مع السلاح النووي إلى السلام العالمي مرغماً متفاجئاً لا يكاد يصدق، فهو يعيش حيرة التناقض بين انشطار التاريخ، وبين مفهوم القوة والتطور العلمي وعتبته الجديدة. ومع هذه القوة العاتية التي استخدمت مرة واحدة فوق رؤوس البشر، ولعلها الأخيرة ما لم يرتكب الجنس البشري الحماقة الأعظم، توقفت القوة عن أن تكون سبيلاً لحل المشاكل؛ في مستوى دول العالم الأول على الأقل، حيث أصبحت الحروب اليوم موضة المتخلفين، الذين لم يدخلوا العصر بعد، أو لتأديب المتخلفين يستعملها الخبثاء الأذكياء ممن يملك تقنيات الذرة، وهذا يحمل تباشير أن يدخل الإنسان المرحلة «الإنسانية» في التاريخ، ويبدأ فعلاً من جديد عهد السلام الذي نادت به الأديان والقيم المثالية وبشرت بإمكانية إقامته، وبذا كانت قنبلة «هيروشيما» نذيراً وبشيراً للبشر في آن واحد، نذيراً بالفناء وبشيراً بالسلام.