تعاملت البحرية الهندية هذا الأسبوع مع أسوء مأساة عرفتها خلال السنوات الأخيرة عندما غرقت واحدة من غواصاتها، تحمل اسم "سندهو راكشاك"، التي كانت راسية في مومباي، بعد وقوع انفجارات ضخمة ونشوب حريق فيها. ويمثل احتراق الغواصة ثم غرقها لاحقا، وهي التي كانت درة أسطول الغواصات الهندي، خسارةً كبيرة بالنسبة للبحرية الهندية ومن المتوقع أن يؤثر على جاهزيتها البحرية، ولاسيما في وقت تعمل فيه الصين المنافسة بلا كلل على حشد قواتها البحرية. وقد كان على متن الغواصة 18 بحاراً يخشى أن يكونوا لقوا مصرعهم جميعاً في انتكاسة كبرى للقوات البحرية. ومما زاد الطين بلة أن البحرية الهندية كانت قد بلغت للتو محطة مهمة في تاريخها وكانت في غمرة الاحتفالات بإنجازين كبيرين حققتهما. غير أن فقدان الغواصة أرغم القوات البحرية على قطع الاحتفالات التي أقيمت بمناسبة إطلاق سفينتها الجديدة "فيكرانت"، وهي حاملة طائرات هندية الصنع تزن 37 ألفاً و500 طن، ومن المنتظر أن تدخل الخدمة في 2018، وهو الأمر الذي يمنح الهند العضوية الحصرية لنادي الدول القادرة على بناء مثل هذه السفينة بمفردها. وقبيل أيام قليلة على ذلك، كان رئيس الوزراء مانموهان سنج قد هنأ القوات البحرية الهندية على تشغيل المفاعل النووي في أول غواصة نووية هندية الصنع ستدخل الخدمة في غضون عامين. ولكن الاحتفالات أوقفت بعد وقوع المأساة. وكان انفجاران في الغواصة قد أشعلا حريقاً على متنها، وهي كانت مسلحة بشكل كامل، وتحمل صواريخ وطوربيدات، كما أدى الانفجاران إلى حريق ضخم في حوض بناء السفن في مومباي، الذي كانت ترسو فيه الغواصة. الغواصة، التي يبلغ عمرها 16 عاماً، كانت واحدة من بين 15 غواصة تقليدية تشتغل بالديزل في أسطول البحرية الهندية. وكانت "سندهو راكشاك"، التي دخلت الخدمة عام 1997، قد عادت من روسيا شهر أبريل الماضي بعد أن خضعت هناك لعملية صيانة وتحديث دامت عامين وكلفت 80 مليون دولار ومددت عمرها الافتراضي بـ 10 سنوات أخرى. الغواصة زُودت مؤخرا بأنظمة أسلحة متطورة، وكانت مدججة بالأسلحة عندما وقعت الانفجارات وشب الحريق. كما كانت قد جُهزت بأنظمة صواريخ كروز المضادة للسفن. ويُعد هذا ثاني حادث حريق يحدث في الغواصة نفسها، حيث أدى حريق شب على متنها في فبراير 2010 إلى مقتل بحار في الرابعة والعشرين من عمره. وإذا كانت البحرية الهندية قد شكلت لجنة تحقيق تتألف من خبراء من أجل تحديد أسباب الحادث ومكامن الخلل، فإن أي شيء، من الوقود إلى قنينات الأكسجين إلى منصات البطاريات، يمكن أن يكون تسبب في الانفجار. وبالنسبة للبحرية الهندية، يمثل فقدان الغواصة انتكاسةً كبيرةً، ولاسيما في وقت تسعى فيه إلى تعزيز قدراتها البحرية من أجل تحسين مهام حراسة حدودها البحرية إلى جانب المحيط الهندي عقب حشد الصين لقواتها البحرية. ولئن مازال من غير المعروف ما إن كان من الممكن إنقاذ الغواصة على اعتبار أنها لم تغرق في مياه عميقة جدا، فإن الحادث سيكون له تأثير على جاهزية البحرية الهندية بالنظر إلى تقلص عدد غواصات أسطولها بواحدة الآن. والجدير بالذكر أن اثنتين من الغواصات الـ14 تخضعان حاليا لعملية صيانة وتحديث، وهو ما يترك البحرية الهندية مع أسطول متقادم يتألف من 12 غواصة، تم اقتناؤها ما بين 1985 و2000. والواقع أن الهند، التي تعتبر أكبر مشتر للسلاح في العالم، ورغم جهودها الرامية إلى تعزيز قدرات قواتها المسلحة، لم تقم بشراء أي غواصة تقليدية جديدة خلال العقد الأخير أو نحوه، وتعمل حاليا بأسطول من الغواصات المتقادمة التي تجاوز معظمها نصف عمرها الافتراضي. ووفق بعض التقديرات، فإن الهند تحتاج إلى 30 غواصة على الأقل، إلا أن قدراتها الحالية لا تتجاوز نصف هذا العدد. ومما لا شك فيه أن الهند تعمل على تعزيز قدراتها البحرية مع عين على الصين المنافِسة؛ غير أن اقتناء السفن وبناءها تباطأ خلال السنوات القليلة الماضية على خلفية فضائح فساد في صفقات لشراء الأسلحة. وتتعلق هذه الأخيرة باختلالات في اقتناء طائرات هيلكوبتر من شركة انجليزية- إيطالية. ونتيجة لذلك، هناك خوف من المضي قدما في عمليات الشراء التي أثرت دون شك على القوات المسلحة الهندية. وعلاوة على ذلك، فإن مشاريع الغواصات متأخرة أيضاً عن الجدول الزمني المحدد لها، ويشمل ذلك بناء ست غواصات فرنسية من طراز "سكوربن"، وذلك في إطار اتفاق يقضي أيضاً بنقل التكنولوجيا إلى الهند. غير أنه بسبب عدد من المشاكل التقنية والمالية، تأخر تسليم هذه الغواصات بأربع سنوات عن التاريخ المقرر له. كما أن هناك مشروعا آخر لبناء ست غواصات شبح ما زال ينتظر موافقة الحكومة منذ خمس سنوات. الواقع أن كل هذه التطورات تشكل خبراً سيئاً بالنسبة للحكومة الهندية. والحاجة الملحة الآن هي لضمان عدم تجاوز مشاريع بناء الغواصات للتواريخ المحددة لها، وذلك لأن الهند ليست مسؤولة عن أمنها البحري الخاص فقط، وإنما مسؤولة أيضا عن توفير الأمن في المحيط الهندي باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد في آسيا، وخاصة بعد تزايد قدرات القوات البحرية الصينية خلال السنوات الأخيرة. والأكيد أن التأخير في اقتناء الغواصات والضرر الأخير لذي لحق بغواصتها المسلحة يمثل انتكاسةً كبيرة بالنسبة لبلد يُنظر إليه على أنه قوة عالمية ممكنة.