يطرح أستاذ الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الوطنية بأستراليا، «هيو وايت»، في كتابه الموسوم «الخيار الصيني: لماذا يتعين على أميركا اقتسام القوة؟» عدداً من الأسئلة الملحة حول الوضع الجيواستراتيجي في آسيا والمحيط الهادي، والقرارات الصعبة التي تنتظر أميركا لتدبير علاقتها مع الصين الصاعدة ودورها في القارة الآسيوية. وهذه القرارات، أو الخيارات تنقسم إلى خيارين حسب الكاتب، يتعلق الأول بمسألة مبدئية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة أصلاً للتجاوب مع الواقع الجديد في آسيا المتميز بصعود واضح للصين وتنامي قوتها الاقتصادية والعسكرية ليقود ذلك إلى نوع من التعايش المتوافق عليه بدل السير في الطريق الحالي، والحفاظ على النظام القائم الذي يصر على التفوق الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادي وريادتها المنفردة. أما الخيار الثاني الذي يثيره الكاتب فيلامس فقط حدود هذا التعايش والمدى الذي ستذهب إليه أميركا في محاولتها استيعاب الصين، بحيث لن يكون السؤال حول قبول أميركا من عدمه، بل فقط إلى أي حد ستُدمج الصين في نظام إقليمي جديد تلعب فيه دور الند وليس الخاضع. وبعد أن يعرض الكاتب الخيارات الاستراتيجية المطروحة على طاولة النقاش في الدوائر الأميركية يجازف بتقديم رؤيته الخاصة التي تنصح قادة أميركا بالسعي إلى استيعاب الصين وإفساح المجال أمامها للعب دور القوة المساوية في آسيا بدل التعامل معها كخصم، أو حتى الاستمرار في الطريق الحالي الرافض لتقديم تنازلات، لأن الوضع القائم حالياً سيقود، في نظر الكاتب، إلى صدام تكون تكلفته مع دولة بحجم الصين وغناها باهظة جداً تتجاوز بكثير السعي إلى التفاهم وتقاسم القوة في آسيا. ولذا وفي إطار رؤيته لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين أميركا والصين في المستقبل يقترح الكاتب التفاوض على نظام إقليمي جديد تواصل فيه أميركا الاضطلاع بدور استراتيجي مهم في المنطقة، ولكن دون أن يرتقي إلى مستوى التفوق الكاسح والهيمنة الطاغية الذي تمتعت به في آسيا حتى الآن. والسبب في رأي الكاتب أن الصين ببساطة لن تقبل سيادة أميركا وتفوقها الطاغي كأساس للنظام الآسيوي الجديد. كما أن الصعود اللافت للصين وتجاوزها لأميركا اقتصادياً على الأقل لن يجعل من مسألة الحفاظ على الوضع الأميركي المتميز في آسيا أمراً مستساغاً، وأي محاولة لفرضه بالقوة ستكون خطورتها عالية وغير مبررة. ويضيف الكاتب أنه حتى لو لم تصعد الصين بالوتيرة المطلوبة لتصبح القوة المهيمنة في آسيا، فإنها مع ذلك تملك ما يكفي من أسباب القوة والمنعة لتحول دون بقاء أميركا متربعة على زعامة آسيا. وفي حال أصرت واشنطن على مواصلة الوضع الحالي القائم على ريادتها، سيقود ذلك إلى صراع مرير. ولكن الكاتب، وهو يدافع عن تصوره لطبيعة العلاقة بين أميركا والصين وما يجب أن تكون عليه، ينتبه أيضاً للانتقادات التي قد توجه إليه، ولاسيما تلك التي ترى أن العلاقات الحالية بين القوتين أنها متينة بما يكفي لتجاوز الصعوبات، وأن أميركا ليست في حاجة لتقديم تنازلات ولا إلى احتضان الصين والاعتراف بها كند وشريك في آسيا، حيث يرد الكاتب أن مثل هذه القراءة لواقع العلاقة الأميركية الصينية مغرقة في التفاؤل، فالبلدان وإن كانا يستطيعان تدبير المشاكل اليومية، فإن علاقتهما تبقى هشة وأضعف من أن تتصدى للإشكالات الكبرى. وهذه العلاقة الأميركية الصينية الضعيفة، يحذر الكاتب، تزداد هشاشة يوماً بعد يوم بسبب التطلعات المتناقضة لكلا الطرفين في منطقة آسيا والمحيط الهادي. فعلى امتداد العقود الأربعة الماضية ارتكز النظام الاستراتيجي في آسيا، والعلاقات الأميركية الصينية، على تصور لا يرى سوى القيادة الأميركية التي تُبقي جميع البلدان الأخرى في موقع الخاضع. وكل ما تسعى إليه السياسة الأميركية حالياً تجاه المنطقة هو تكريس هذا التصور خلال العقود المقبلة، بحيث يراهن التفاؤل الأميركي في استمرار الوضع القائم على قبول الصين به، وهو أمر يستبعده الكاتب معتبراً أنه ضرب من الخيال. فالصين عندما استساغت حتى اليوم التفرد الأميركي في آسيا كان ميزان القوى يميل على نحو صارخ لصالح الولايات المتحدة التي كانت أكثر غنى وقوة من الصين، أما وقد بدأت كفتا الميزان في الاعتدال وضاقت الفجوة بين القوتين فلم يعد هناك من مبرر يدفع الصين لقبول الهيمنة الأميركية في آسيا ولا ما يمنعها من توسيع مجال نفوذها، ما يعني في النهاية المواجهة، الأمر الذي يضع أميركا أمام خيارين، عدا الانسحاب النهائي غير الوارد من آسيا، بين التعايش مع الصين واستيعابها في إطار منظومة إقليمية جديدة تعترف بالصين كشريك وند، وبين اختيار طريق المواجهة المكلف. زهير الكساب -------- الكتاب: الخيار الصيني: لماذا يتعين على أميركا اقتسام القوة؟ المؤلف: هيو وايت الناشر: جامعة أكسفورد تاريخ النشر: 2013