في مناخ إقليمي يطبعه الاستقطاب، ومشابه للأجواء والظروف التي سادت عشية تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل ثلاثة عقود، أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز، في ديسمبر 2011، مبادرة للانتقال بالمجلس من مرحلة "التعاون" إلى مرحلة "الاتحاد". وجاء الإعلان عن المبادرة بالتزامن مع استقطاب إقليمي متنــامٍ ومتعدد الجوانب؛ يتمثل في تصاعد نفوذ إيران، وزيادة استفزازها لدول المجلس، وتدخلها في شؤون دوله، إلى الحد الذي أصبحت فيه العلاقة بين الدول الخليجية وإيران تأخذ ملامح "حرب باردة" على أكثر من جبهة. وإلى جانب الدوافع الملحة التي تدعو دول المجلس إلى الانتقال نحو مرحلة "الاتحاد"، توجد أسباب عدة تقف عائقاً دون "تجسيد الفكرة" بصورة فعلية؛ منها مخاوف الدول الصغرى من تقديم تنازلات في مجال الاستقلال والسيادة؛ علاوة على وجود رفض لفكرة "الاتحاد الخليجي" داخل بعض مكونات النسيج الاجتماعي في عدد من دول المجلس. بيد أنه على الرغم من تلك التحديات التي تقف في وجه الاتحاد الخليجي، تبقى الدوافع والمصالح المشتركة لإقامته أقوى وأكثر إلحاحاً من كل العراقيل؛ ما يجعل منه توجهاً استراتيجياً دائماً لدول المجلس، وليس قراراً آنياً يتلاشى مع تبدد الأخطار المؤقتة التي تواجهها دول المجلس. هذه الدوافع وتلك التحديات هي ما يناقشه الدكتور عبدالله الشايجي في كتابه الذي نعرضه هنا، "تحديات ومستقبل التعاون الخليجي". فكما مثّلت الهواجس الأمنية والمتطلبات الدفاعية المحرك الرئيس لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، جاءت مبادرة الانتقال بالمجلس من مرحلة "التعاون" إلى صيغة "الاتحاد" كخيار استراتيجي لدول المجلس التي تعتبر دولاً صغيرة المساحة وقليلة السكان، لكنها تملك "قوة ناعمة"، تتمثل في موارد طبيعية ضخمة. لذلك فقد أعلن الملك عبد الله بن عبدالعزيز مبادرته للانتقال من مرحلة "التعاون" إلى مرحلة "الاتحاد"؛ للتغلب على التحديات الكثيرة التي تواجهها دول الخليج، كدول محدودة السكان إذا ما قورنت بجاراتها، علاوة على التنوع الذي يضعف القاعدة السكانية المحلية. ويورد المؤلف العديد من الأسباب والدوافع الأساسية لطرح "المبادرة"، وأولها الصعود المتنامي لنفوذ إيران مع حلفائها، حيث أصبحت العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران تأخذ ملامح "حرب باردة" على أكثر من جبهة، خاصة مع الاستفزازات التي تمارسها إيران، واستمرارها في التصعيد، وتدخلها في شؤون دول المجلس؛ مستقويةً ببسط نفوذها في العراق، وبشبكة حلفائها من دول وفاعلين من غير الدول، بالإضافة إلى تطوير برنامجها النووي. وثاني هذه الأسباب هو الانسحاب الأميركي من العراق، وتغيير الاستراتيجية الأميركية، وحاجة دول المجلس إلى ملء الفراغ الاستراتيجي الناشئ في المنطقة. أما ثالثها، فهو التعامل المرتبك للولايات المتحدة مع موجة "الربيع العربي"، وتخليها عن حلفائها في المنطقة. وفيما يتعلق السبب الرابع بموجة "الربيع العربي" من دول المجلس، يتصل السبب الخامس بطلب الولايات المتحدة من دول المجلس المساهمة في تحمل الأعباء مع حلفائها حيال الأزمة المالية العالمية، وانكماش اقتصاد الولايات المتحدة، وإعادة تركيز استراتيجيتها العالمية على آسيا والمحيط الهادئ. بيد أنه في المقابل ثمة أسباب عدة تشكل عائقاً دون تجسيد فكرة الاتحاد الخليجي بصورة فعلية؛ فبالإضافة إلى وجود مخاوف لدى الدول الصغيرة من أن أي اتحاد عادة ما تكون السيطرة فيه للدول الكبيرة والأقوى، فثمة معوق آخر ألا وهو تباين الآراء حول مصدر الأخطار وسلم الأولويات. كما أن هناك مكونات في المجتمعات الخليجية غير مؤيدة لمشروع الاتحاد الخليجي؛ فجمعية "الوفاق الوطني" الإسلامية في البحرين ترفضه، وكذلك "شيعة السعودية"، كما يعارضه النواب الشيعة في مجلس الأمة الكويتي. ووفقاً للمؤلف فإن أحد أهم معوقات المشروع يتمثل في عدم وضوح مفهوم "الاتحاد الخليجي". وهو غموض يثير أسئلة تتعلق بمدى استعداد الدول الأعضاء للتنازل الجزئي عن السيادة الوطنية، وتوافر الإرادة السياسة لإحداث تلك النقلة نحو الاتحاد، وهل سيتم انضمام الدول الست بشكل جماعي، ولو على مراحل؟ ولماذا تفاوتت الحماسة بين دولة وأخرى؟ وهل سيكون الاتحاد الخليجي كونفيدرالية أم فيدرالية؟ وكيف سيتعامل مع تهديدات الداخل والفراغ الاستراتيجي ومطالب الإصلاح السياسي؟ وعلى الرغم من تلك التحديات التي تقف دون قيام الاتحاد الخليجي، تبقى المصالح المشتركة والدوافع إلى إقامته أقوى وأكثر إلحاحاً من كل العراقيل؛ ما يجعل فكرة الاتحاد توجهاً استراتيجياً دائماً لدول المجلس، وليس قراراً آنياً يختفي باختفاء الأخطار المؤقتة التي تواجهها الدول الأعضاء. فمجلس التعاون الخليجي لديه خصائص واضحة ومحددة؛ جغرافية وتاريخية وسكانية وسياسية واقتصادية واجتماعية... ما فتئت تتطور عبر التاريخ، وتتحول إلى خصائص مشتركة، تجعل مشروع الاتحاد مشروعاً استراتيجياً لدول المجلس. محمد ولد المنى ------- الكتاب: تحديات ومستقبل الاتحاد الخليجي المؤلف: د. عبد الله خليفة الشايجي الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012