قراءة سويسرية في الحالة العربية... ومضايقة بريطانية للحريات الصحفية! ------- قراءة في الاضطرابات التي تشهدها المنطقة العربية حالياً، ونذر «تهديد» لحرية الصحافة في الغرب، ومحاكمة الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف بتهمة المشاركة في اغتيال بينظير بوتو... موضوعات نعرض بإيجاز لها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الدولية. ------- «نهاية عالم؟» تحت هذا العنوان نشرت صحيفة «لوتان» السويسرية افتتاحية اعتبرت فيها أن الاضطرابات التي تعيشها أكثر من دولة عربية حاليا نتيجة تداعيات ما يسمى «الربيع العربي» هي اضطرابات لم تعرف لها المنطقة مثيلًا منذ نهاية الحكم العثماني. وفي هذا السياق، تقول الصحيفة: «في سوريا هناك الفظاعات وخطر الانفجار؛ وكذلك الحال في العراق؛ وفي لبنان وتركيا والأردن الوضع غير مستقر وخطير؛ والآن حان دور مصر... وبدون شك، فإنه لابد من العودة مع الذاكرة إلى الوراء وتحديداً إلى الفترة التي كانت تحتضر فيها الإمبراطورية العثمانية، قبل قرابة نحو قرن من الزمن، من أجل رؤية اضطرابات مماثلة لتك التي تهز العالم العربي- التركي اليوم». وترى الصحيفة أنه ليس صدفة أن يذهب البعض، وسط حالة الفوضى التي بات عليها الوضع في المنطقة الآن، إلى الحديث عن نهاية العهد الذي بدأته اتفاقات سايكس- بيكو 1916، وهو العام الذي تقاسم فيه الفرنسيون والبريطانيون المنطقة استشرافاً لانهيار الإمبراطورية العثمانية نفسها. ثم رسموا بعد ذلك حدود الدول العربية المقبلة. ومع ذلك أكدت الصحيفة أنه لا يوجد وضع يشبه الآخر في المنطقة، وإن كانت كل الأوضاع متداخلة ومتشابكة، حيث تقول: «إنها حرب السنة ضد الشيعة... ولكنها أيضاً حرب تدور داخل المذهب السني نفسه.... إنها حرب عامة تسعى فيها كل القوى الكبيرة إلى أن تقول كلمتها... وحيث لم يعد الغرب، الحائر في هذه الخضم، يفهم شيئاً». وحسب الصحيفة، فإن مفهوم الحدود لم تعد له أية أهمية تقريباً بالنسبة لبعض اللاعبين، الذين هم ليسوا الأكثر تنوراً دائماً، للأسف. فـ«حزب الله» اللبناني، و«الإخوان المسلمون»، والمسلحون الذين يقاتلون في سوريا والعراق لديهم جميعاً في أذهانهم منطق أكبر وأوسع، وذلك لأن العالم الموروث عن اتفاقية سايكس- بيكو، بالنسبة لهم، لم يوجد أبداً في الواقع. شبح «سنودن» تحت عنوان «الديمقراطية تعاني عندما تجعل الحكومات المتكتمة الإعلامَ عدواً»، نشرت صحيفة «تورونتو ستار» الكندية افتتاحية عددها ليوم الأربعاء وأفردتها للتعليق على الزيارة التي قام بها عملاء من الاستخبارات البريطانية لمقر صحيفة «ذا جارديان» البريطانية، مطالبين الصحافيين هناك بتحطيم أقراص صلبة لأجهزة كومبيوتر تحوي معلومات سربها الموظفُ السابق بوكالة الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن الهارب في روسيا. الصحيفة قالت إن المشهد إذا لم يكن يشكل هجوماً صريحاً على حرية الصحافة، فإنه كان يبعث على السخرية لأن سجلات وكالة الأمن القومي الأميركي التي كان يريد العملاء تدميرها قد نُسخت وخزنت بأمان في الخارج. فهذا هو العصر الرقمي في نهاية المطاف، تقول الصحيفة. وتتابع «تورنتو ستار» قائلة إن هذا التصرف الأرعن والأخرق ليس سوى أحدث مثال على تكتيكات التنمُّر التي تُستعمل حالياً لترهيب الصحافيين الأميركيين والبريطانيين الذين ينشرون معلومات تفضل الحكومتان الإبقاء عليها سرية، مضيفة: «إنها مبالغة شديدة باسم الأمن القومي. وتهديد للحريات المدنية التي يقدِّرها البلدان ويثمنانها، ومن ذلك حرية الصحافة». وكان صحافي «الجارديان»، جلِن جرينوولد قد نشر تقارير محرجة حول مراقبة أميركا المفرطة لمواطنيها، مستعملاً وثائق سربها الموظفُ السابق في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن. واليوم، تعطي الحكومة البريطانية كل مؤشر على العمل مع الولايات المتحدة لقمع الصحافيين الذين يزعجون السلطات، تقول الصحيفة. ويوم الأحد، وفي مظهر واضح من مظاهر سوء استعمال السلطة، تضيف الصحيفة، قام عملاء الحدود في مطار هيثرو اللندني باحتجاز صديق لجرينوولد، هو ديفيد ميراندا، طيلة التسع ساعات المسموح بها في إطار قوانين محاربة الإرهاب. ولأنه لم يكن ثمة أي شيء ضده، أُخلي سبيل ميراندا في الأخير، ولكن بدون حاسوبه المحمول وهاتفه النقال. ومثلما قال جرينوولد لاحقاً، فإنه «من الواضح أن (السلطات) أرادت أن تبعث برسالة ترهيب»؛ ولكنه تعهد بأنه لن يصمت. الصحيفة قالت إن الوضع ليس أيضاً أقل سوءاً في الولايات المتحدة، حيث يُساق الصحافيون إلى المحاكم بسبب عملهم، مشيرةً في هذا الصدد إلى أنه في يوليو الماضي حكمت محكمة أميركية بضرورة أن يدلي صحافي «نيويورك تايمز» جيمس ريزن بشهادة في محاكمة مسؤول الـ«سي آي إيه» السابق جيفري ستيرلنج، الذي يفترض أنه أعطى «ريزن» معلومات سرية. ثم ختمت افتتاحيتها بالقول إن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الأميركيين يرون أن واشنطن قد سدرت كثيراً في تقييد الحريات الفردية، وهو ما يمثل تحولًا كبيراً مقارنة مع ما كان عليه الحال منذ بضع سنوات خلت، مضيفة أن التضييق على الصحافة لا يعمل إلا على تأكيد أن الناس على حق في أن يشعروا بالقلق. مشرّف ولحظة الحقيقة صحيفة «ذي أستراليان» الأسترالية علقت ضمن افتتاحية عددها ليوم أمس الخميس على مثول الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف أمام محكمة خاصة لمحاربة الإرهاب حيث وجهت إليه رسمياً تهمة المشاركة في المؤامرة التي أدت إلى اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو في ديسمبر 2007، معتبرةً أن غموض لغز قتل بوتو وما إن كان ثمة أي تورط للجيش، الذي كان يحكم البلاد وقتئذ، قد استمر طويلاً، وأنه من مصلحة الجميع، بما في ذلك مشرّف نفسه، أن يتم النظر في ذلك بطريقة قانونية في المحكمة. بوتو، التي كانت أول امرأة تشغل منصب رئيسة الوزراء في بلادها والتي أحيت الآمال في تغيير حقيقي ببلد مهم بالنسبة للمصالح الاستراتيجية الغربية، كانت على وشك العودة إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية. وترى الصحيفة أن التكهنات التي تناسلت بخصوص المسؤولية عن موتها ما زالت تلاحق باكستان وآمالها في تحقيق الديمقراطية الآمنة اللازمة من أجل تجنب التهديد الدائم المتمثل في عودة حكم الجيش أو تفاقم خطر الحركات الدينية المتطرفة. وتقول الصحيفة إن الشبهات لطالما كانت كثيرة بشأن إمكانية تواطؤ بين الجيش الباكستاني و«طالبان» وحركات «جهادية» أخرى، مضيفة أن محاكمة مشرف، وستة آخرين، ستكون موضوع تمحيص وتدقيق، مذكرةً بأنه مباشرة بعد موت بوتو، كانت حكومة مشرف قد حمَّلت «طالبان باكستان» المسؤولية عن ذلك. الصحيفة قالت إن مشرف، الذي كان قد أشيد به من قبل بوش باعتباره «أفضل صديق» له، اعتُبر خلال مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر حليفاً قوياً ضمن الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب، ولكن سرعان ما دارت عليه الدوائر؛ حيث يخضع للإقامة الجبرية منذ أبريل الماضي، عندما عاد من المنفى في محاولة فاشلة لإطلاق مشوار سياسي كمدني. كما يواجه أيضاً تهماً أخرى، من بينها تهمة الخيانة على خلفية انقلاب قام به في 1999 أطاح بالحكومة المنتخَبة بزعامة نواز شريف. وفي ختام افتتاحيتها، قالت الصحيفة إن مشرف ما زال يحظى بقدر معتبر من الدعم في الجيش الذي حكم باكستان لأكثر من نصف السنوات الـ66 التي مرت على تأسيسها، مضيفة أن الجنرالات الذين كانوا من بين أقرب مساعديه ما زالوا في مناصبهم، مشددة على أهمية سماحهم بأن تأخذ المحاكمة مجراها بشكل عادل، والكشف عن كل الأدلة. ووقتها فقط يمكن لباكستان أن تكون حليفاً ملتزماً بشكل كامل في المعركة ضد التطرف الديني، كما تقول. إعداد: محمد وقيف