عندما كنت طالباً جامعياً ومتدرباً في مجلس الشيوخ الأميركي في نهاية الثمانينيات، كتبت أطروحة لرسالة الماجستير تبين أنها كانت محاولة سطحية لشرح أسباب سيطرة روبرت موجابي على جمهور الناخبين في زيمبابوي. وبعد 25 عاماً اتضح أن سبب هذه السيطرة على جمهور الناخبين ليس إلا قوة وحشية وتجاوزات. ولعل ما بقي في حاجة إلى تفسير هو السيطرة الغامضة لموجابي على باقي أفريقيا. فقد غابت وسائل الإعلام الغربية ومراقبو الانتخابات الغربيون بشكل ملحوظ -وقسراً- أثناء انتخابات زيمبابوي الأخيرة في سباق 31 يوليو، ولكن كان هناك حضور قوي لمراقبي الانتخابات من الاتحاد الأفريقي ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي. ولكن على رغم الأدلة الواضحة والكثيرة والمتزايدة على ما شاب عملية الانتخابات من شوائب، حرص الاتحاد الأفريقي ومجموعة تنمية جنوب القارة فيما يبدو على إنجاح موجابي وحزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي -الجبهة الوطنية. وحين لم تكن التقارير النهائية قد صدرت بعد، كانت مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي قد أعلنت بالفعل أن انتخابات زيمبابوي «حرة وسلمية»، وأكد الاتحاد الأفريقي أن التصويت «موثوق به». ولك أن تلاحظ غياب كلمة «نزيهة». ولكن لماذا المماحكة؟ فقد كان تفسير موجابي هو أن «أفريقيا بأسرها ترسل لنا رسالة تهنئة لتقول.. أحسنتم صنعاً». ومن يستطيع لومه، بعد ذلك؟ وبالنسبة لأي شخص تابع القبضة الثقيلة لموجابي في الحكم على مدار الأعوام الثلاثة والثلاثين الماضية، فلا جديد في أن يخوض الزيمبابويون انتخابات أخرى مزورة بشدة. ولكن من يأملون أن تدخل أفريقيا حقاً منعطفاً جديداً فيما يتعلق بالسياسة والحكم، كان مثل هذا الرد عشية الانتخابات مقلقاً حقاً. وهناك الكثير مما يستحق الإشادة في المواثيق والمبادئ التأسيسية لكل من الاتحاد الأفريقي ومجموعة تنمية جنوب القارة. فقد تعزز التعاون والتنسيق بين الاقتصادات الوطنية عبر هذه المنظمات التي وفرت أداة نافعة لمعالجة قضايا الأمن الإقليمي والعابرة للحدود وقضايا الحكم. بل إن احتمالات التعاون في المستقبل تبدو أكبر. ولهذا فمن المحيّر للغاية أن يتخلى الاتحاد الأفريقي ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي عن مبادئهما طوعاً عندما يتعلق الأمر بالانتخابات في زيمبابوي. وهذا ليس إخضاعاً غربياً للديمقراطيات الناشئة لمعايير انتخابية مرتفعة بشكل غير معقول. بل يتعلق الأمر ببساطة بمطالبة مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي والاتحاد الأفريقي بأن يلتزما بمعاييرهما وأن يحافظا على مواثيقهما. وتشترط «المبادئ والتعليمات الحاكمة للانتخابات الديمقراطية» في مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي ضرورة الاضطلاع بدور المراقب أثناء الانتخابات في دولة عضو لضمان «المشاركة الكاملة للمواطنين في العملية السياسية» من خلال ضمان «وجود قوائم ناخبين تم تحديثها ويمكن الوصول إليها»، بين معايير أخرى. ومثل هذه القوائم لم تكن محدثة ولم يكن الوصول إليها ممكناً في أحدث جولة انتخابات في زيمبابوي. وبالمثل، فإن تعليمات الاتحاد الأفريقي لمراقبة الانتخابات تطالب بوجود «مؤسسات انتخابية مختصة مسؤولة» كي «تتخذ كل الإجراءات الضرورية» لضمان مثل هذه الأساسيات مثل «إمكانية وصول متساوية لوسائل الإعلام العامة» للأحزاب المتنافسة. ولم يكن هناك تظاهر حتى بإمكانية وصول متساوية لوسائل الإعلام التابعة للدولة أثناء الموسم الانتخابي في زيمبابوي. وفي وثيقة «شراكة جديدة لتنمية أفريقيا» التأسيسية، أشاد زعماء الدول الأفريقية بظهور أنظمة ديمقراطية، وألزموا القادة الأفارقة بأن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية «دعم حقوق الإنسان... من خلال تطوير معايير واضحة للمساءلة والشفافية والمشاركة في الحكم». وفي سياق مراقبة الانتخابات في زيمبابوي، لم تُقدم على تحمل هذه المسؤولية إلا دولة بوتسوانا، التي انتقدت الانتخابات في زيمبابوي واصفة إياها بأنها «ليست حرة وليست نزيهة»، وحذرت مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي من أنه «يجب عليها ألا ترسي أبداً سابقة غير مرغوب فيها من السماح باستثناءات في قواعدها». ولسوء الطالع، فمسار زيمبابوي جاهز للمستقبل القريب. وعندما تصدر التقارير الرسمية عن الانتخابات، سيكون حزب الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي -الجبهة الوطنية، قد شكل حكومة جديدة. ومن غير المحتمل أن تتدخل محاكم زيمبابوي، وسيمضي موجابي في إلقاء خطبه المثيرة للجدل عن التحرير، بينما زيمبابوي لا تستطيع إطعام نفسها وعملتها تخسر واستقلالها يتآكل. ولن تخبرنا التقارير النهائية الصادرة عن الاتحاد الأفريقي ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي بأي شيء لا نعرفه بالفعل عن زيمبابوي، ولكنها ستقول الكثير عن الاتجاه الذي يسير فيه إقليم جنوب أفريقيا وأفريقيا ككل. ------- جيف فليك سيناتور أميركي عن ولاية أريزونا وعضو جمهوري في اللجنة الفرعية الخاصة بأفريقيا ------- ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»