شغلت أنباء وصور أحداث مصر الرأي العام العالمي شعوباً وحكومات، وبخاصة الرأي العام في الوطن العربي، وستظل أخبار هذه الأزمة الخطيرة التي هددت وجود الدولة المصرية العريقة تشغل الرأي العام العالمي لفترة قد تطول ولا تقصر. ولعل متابعة تحركات الولايات المتحدة وأوروبا وتوابعهما حول وداخل هذه الأزمة المصيرية تصلح نموذجاً لدارسي العلاقات الدولية، حيث فيها تتجلى بوضوح الحقيقة التي طالما غابت عن العقل العربي، وهي أن الحكم في علاقات الدول الكبرى هو للمصالح والمصالح الوطنية الأمنية والاقتصادية والعسكرية، وهي التي تحدد وترسم علاقات هذه الدول بالدول الأخرى الموصوفة بأنها دول العالم النامي. وتبعاً لذلك فإن مواقف وافتتاحيات الصحافة وعروض التلفزيون وتحليلات المفكرين والمثقفين الأميركيين والأوروبيين ستظل تعبر عن سياسات أصحاب رأسمال هذه الأجهزة الإعلامية التي تدفع أجورهم. وهذه حقيقة وواقعية لم نتفهمها جيداً في وطننا العربي الكبير. ولنأخذ مثالاً، نعيشه يومياً هنا في كندا. لقد ظل الصحفيون والكتاب الكنديون «يطاردون» رئيس الحكومة الكندية منذ لحظة إعلان الفريق السيسي عن تحرك الجيش وعزله للرئيس السابق محمد مرسي، لكي يحدد موقفاً رسمياً معلناً بمعارضة ورفض كندا لهذا التحول المصري. وصحب هذه «المطاردة» الإعلامية هجوم منظم على الإدارة الأميركية، ورئيسها أوباما، بدرجة لا تتفق وتقاليد المهنة المستقرة، إلى درجة أن إحدى كبريات الصحف الكندية هددت في مقال صاخب أوباما بأنه «سيدفع الثمن لقاء موقفه، وتصريحات وتحركات وزير خارجيته ونائبه في مصر ومحاولة إيجاد مخرج من الأزمة» كما قال كاتب يزعم أنه «تقدمي» مسلم! ولعلّ ذلك الكاتب قد نسي «منظومة المقالات» التي كان يدبّجها أسبوعياً -في الحقيقة مرتين في الأسبوع في الهجوم الإرهابين الإسلامويين الذين هم من إنجاب حركة «الإخوان»، التي كانت ومنذ تأسيسها حركة إرهابية، وهي من أدخل الإرهاب والاغتيال وتفجير القنابل في دور السينما المصرية في نهاية أربعينيات القرن العشرين. ومن ثم فيما بعد قيام الثورة المصرية في 1952 (الانقلاب العسكري على الحكم الملكي)، الذي ربما شارك فيه «الإخوان» ضمن تنظيم «الضباط الأحرار». وقد ظلّت علاقات الجماعة بعبدالناصر متصلة إلى أن سارعت القيادة «الإخوانية» كعهدها حتى يومنا هذا، وطلبت من عبد الناصر أن يرفع من «حصتها» في مجلس الوزراء وكان يمثلهم فيه الهضيبي «وزير أوقاف الثورة»، الذي استقال من الجماعة عندما بدأ الصدام المسلح ضد السلطة الثورية بعد محاولة اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية. وبقية القصة معروفة ومسجلة وموثقة في عدد كبير من الكتب، وصحف تلك الأيام. ونهج جماعة «الإخوان» وخطتهم المحكمة للاستيلاء على السلطة بالخديعة والصوت العالي باسم الدين، وبالانقلاب العسكري، لو توافرت لها ظروف مساعدة، كل ذلك معروف. وأبرز شاهد على هذا الذي نقوله ما جرى في السودان في الثلاثين من يونيو عام 1989 الذي أصبح يسمى بثورة «الإنقاذ». لقد استفاد قادة الجيش المصري بقيادة الفريق السيسي من تجربة السودان مبكراً. وساعدتهم في ذلك تصرفات الرئيس المعزول الذي يتلقى التعليمات من المرشد العام. وكذا الاستعجال والتلهف للاستيلاء على مصر وتحقيق حلمهم في تحويل مصر البلد العريق، والذي في عاصمته وحدها ألف مئذنة، إلى قاعدة لانطلاقهم لإقامة الخلافة «الإخوانية» في بقية الوطن العربي. وهم يعرفون وزن وقيمة دور مصر الدولة والشعب. لقد سارعوا في فتح الصفحة الأولى في سيناريو النموذج الذي يعني تحويل جهاز الدولة، والدولة ذاتها، إلى دولة لجماعة «الإخوان»! إن أخبار مصر وصورها التي تلازمنا صباحاً ومساء خلال هذه الأيام تستحق كل اهتمام. ولا يملك المرء إلا أن يحزن على دماء وجراح «العامة» من المصريين وضباط الشرطة وأفرادها الذين استشهدوا وهم يؤدون واجبهم الوطني المقدس. ومع كل ذلك، فإن خطاب الفريق السيسي، وكلماته الصادقة، وقسمه المقدس، لا شك قد بعث الطمأنينة في قلوب العرب والمسلمين الذين يعرفون قيمة ودور مصر المحروسة، في أمن واستقلال الدول العربية حديثاً، ودورها التاريخي في حماية الإسلام والمقدسات الإسلامية.