أهم ما يلاحظ على المشهد السياسي العربي في المرحلة الحالية، وبخاصة في جانبه المضطرب، هو دخول المعركة الإعلامية فيه بقوة، خاصة التنافس القوي الذي تقوده مجموعة من القنوات الفضائية العربية الإخبارية ذات التأثير المباشر على الساحة السياسية، بهدف كسب معركة العقول والقلوب إلى جانبها لصالح هذا الطرف أو ذاك. وبذلك أصبحت المعركة لا تقتصر اليوم فقط على الشارع العربي، بل أصبحت في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية، وفي مواقع الإنترنت والمدونات، حيث تم تجاوز الكثير من الأشكال التقليدية التي كانت تمارس في السابق في مثل هذه المعارك لصنع سياسة مؤثرة في توجيه الرأي العام، وتشكل خريطة للواقع العربي من جديد، بحيث يؤثر ذلك في تشكيل اتجاهات الشارع العربي، إلى الهدف الذي تنشده مثل هذه القنوات، خاصة بعد أن تطور الإعلام في المنطقة العربية بصورة كبيرة، حيث يزدحم الفضاء العربي بكم هائل من القنوات الفضائية. والإحصاءات تشير إلى وجود أكثر من 600 قناة فضائية عربية تملأ الفضاء العربي، ويتلقاها أكثر من 350 مليون عربي كل يوم، الكثرة منهم يتلقون ما يجري في المشهد السياسي المضطرب في المنطقة العربية من صراع سياسي وطائفي وأهلي دموي بحالة من الأسى والخوف، سواء كان ذلك في فلسطين أو العراق أو سوريا أو مصر أو دول أخرى، إلى درجة أن أصبح المواطن العربي معها يشعر وكأنه يعيش في غابة من القنوات الفضائية التي قد يجره بعضها إلى مثل هذا الشعور والإحساس المخيف والقلق وتتعامل معه وفق «عقلية القطيع». فمثلاً هناك قنوات فضائية تخلت عن أخلاقياتها ووظيفتها كمصدر محايد وصادق للمعلومات، وتعاملت مع الحدث من منظور انتهاك استقلالية عقل المواطن العربي وتفكيره، من أجل صرف الأنظار عن حقيقة الأحداث، بحيث تصبح مشوهة في أذهانهم. وهناك من تعامل بصورة غير موضوعية بهدف خلق حالة من الإثارة والاضطراب والانقسام والفرقة في المجتمع الواحد. وهناك من تعمد ممارسة حالة التضليل وحجب صدقية المعلومة عن المشاهد، وكل قناة قد تستخدم الأدوات والوسائل التي تعمل على تفعيل استراتيجيتها اتجاه عقل المشاهد، فتلجأ إلى محللين عرفوا بقدراتهم على التأثير على مشاعر المشاهد لبث وجهة النظر المراد توصيلها، مستغلين في ذلك مفردات المشهد السياسي المؤلم الذي تشهده المنطقة العربية في هذه المرحلة، وأهمها الخلافات العربية العربية، والصراع الطائفي، والحروب الأهلية، وحالة التفكك الذي يعانيه النظام العربي. إن الانجراف الحاصل في القنوات الفضائية العربية ومواقع الإنترنت أصبح غير مساهم في إيجاد حالة من السلم الاجتماعي في الوطن العربي، ولا يساعد في ربط العرب بعضهم مع بعض أو دفعهم نحو البناء والتنمية والتغيير وإيحاد الحلول السلمية، بل بل أصبح بعضه منبراً لبث الخوف ومفاقمة حالة التوتر وتأجيج حالة الغضب في المجتمع، وجعل الناس متحفزين للاختلاف والنزاع فيما بينهم في أي لحظة، بل وجعلهم أكثر غضباً على الأوضاع في مجتمعاتهم. وتكمن الخطورة في أنه إذا تربى العقل العربي على مثل هذه الثقافة فإن «الغضب» سيكون هو سيد الموقف في المجتمعات في المستقبل.