لعل الشيء الوحيد الواضح في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو الافتقار المذهل للوضوح. فهناك كثير من عدم التناسق، والتناقض والارتباك. فقد تدخلت الولايات المتحدة في ليبيا لتدعم المعارضة، ولكنها لم تفعل ذلك في سوريا. وهي قد تعمل مع مسلحين عراقيين وأفغان قتلوا جنوداً أميركيين ولكنها تنأى بنفسها عن أي حوار مع «حماس». ولكن على رغم ما يبدو عليها من ارتباك وافتقار للوجهة، تتسم سياسات أوباما أيضاً بالمنطقية والاتساق. فهي تتبع في الحقيقة توجيهات صارمة للرئيس. وأنا أدعوها وصايا أوباما الخمس، وهي تقول كل ما تحتاج معرفته عن أسباب ما يفعله من القاهرة إلى دمشق. وأتخيل أن هذه الوصايا هي: الوصية الأولى: اعتنوا بالطبقة الوسطى وليس بالشرق الأوسط. وقد لا يستطيع أوباما إصلاح أي منهما ولكن لا شك في أنه يود أن يذكره الناس باعتباره رئيساً حاول إصلاح البيت الأميركي المدمر وليس رئيساً يهيم على وجهه في العالم في مسعى دونكيخوتي لإصلاح بيوت الآخرين. فإصلاح الهجرة والميزانية وتنفيذ برنامج أوباما كير للرعاية الصحية، والتركيز المستمر على البنية التحتية والتعليم - كل هذه هي الأمور مهمة للشعب الأميركي ومهمة لتركة الرئيس. والوقت ينفد، فلماذا يبدده في مشكلات خارجية لا يستطيع حلها مثل سوريا؟ الوصية الثانية: اهتموا بأفغانستان والعراق. وهنا يجادل منتقدو أوباما بأنه بالغ في الاهتمام بالفعل بهاتين الحربين، ولكن في الحقيقة لا يستطيع المرء إلا أن يهتم بأطول حربين في التاريخ الأميركي. فقد أودت الحرب بحياة أكثر من ستة آلاف أميركي وتسببت في آلاف الإصابات الخطيرة وتكلفت تريليونات الدولارات وأضرّت بجانب كبير من المصداقية الأميركية. لقد استوعب أوباما محدودية قدرة الولايات المتحدة على تغيير طبيعة مجتمعات الشرق الأوسط الواقعة في أسر صراع داخلي. وإذا كنا لم نستطع إعادة صياغة ما جرى في كابول وبغداد بمئات الآلاف من الجنود وتريليونات الدولارات، فكيف سيكون لنا تأثير على ما يفعله قادة مصر، أو لا يفعلونه، بمبلغ تافه مثل مليار دولار، أو نحو ذلك؟ وقد فهم أوباما أيضاً ضرورة توخي الحذر بشأن استخدام القوة العسكرية الأميركية في هذه المواقف - فهذه القوة أداة لتحقيق غاية سياسية. ولكن عندما تكون هذه العلاقة موضع شك أو لا يمكن ضبطها أو إنجازها، فتفادي المجازفة أفضل من خوضها. فالخطر في سوريا لا يشبه حالتي العراق وأفغانستان. وقد غذى هذا الحذر أيضاً وجهة نظر الرئيس في كيفية التعامل مع برنامج الأسلحة النووية الإيراني وأهمية اللجوء للدبلوماسية قبل الحرب. ويعتقد البعض أن هذا كان افتقاراً للزعامة، ولكنه قد يكون متعلقاً بالرؤية والتقدير اللذين تُعرف بهما الزعامة. الوصية الثالثة: اقتلوا أعداء أميركا: لم يتلكأ الرئيس ولم يتراجع ولم يتفادَ المجازفة فيما يتعلق بالأمن الوطني، خاصة فيما يتعلق بمناهضة الإرهاب. وعلى رغم التغيرات في الخطاب الذي يشير إلى تغيير الأولويات بتأكيد الدبلوماسية وليس الحرب، وتخفيض هجمات الطائرات التي بلا طيار، ستظل هذه الوصية أساس الخطوط العريضة لنهج الإدارة الحالية. ومهما يكن من شك أوباما في الحكمة والنفع من ضربات الطائرات التي بلا طيار التي قتلت آلاف الناس، ومهما يكن من ضعف الجدل القانوني والأخلاقي بشأنها، فقد جعل الرئيس مهمته الأولى في وقت الحرب الحفاظ على سلامة أميركا. فحرب الرئيس على الإرهاب لن تنتهي حتى اليوم الذي يغادر فيه البيت الأبيض. الوصية الرابعة: ابقوا مع الشيطان الذي تعرفونه. قد لا يريد أوباما أن يرى نفسه كزعيم يتبنى نهجاً تفاعلياً، ولكنه في الحقيقة يعمل بطريقة تبادلية ويحافظ على واقع الحال عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فهو يغامر في أفغانستان، ويبقي معتقل جوانتانامو مفتوحاً، ويتجنب الحوار الدبلوماسي مع رجال الدين المتشددين في أفغانستان، ويضفي طابعاً منطقياً على خطوطه الحمراء بشأن الأسلحة الكيماوية السورية، والآن يحاول أن يسير على خيط دقيق بين التغيير والإبقاء على السياسة الأميركية التقليدية في مصر. وأعتقد أننا قد نكون في سبيلنا لقطع المساعدات عن مصر، ولكن الرئيس سيتفادى هذا. فأوباما يرى أن تغيير واقع الحال، بقطع العلاقات مع مصر وحرمان الجيش الأميركي من امتيازات العبور الجوي ومن التعاون في مكافحة الإرهاب، واستبعاد الولايات المتحدة من جانب واحد من عملية السلام الإسرائيلية- المصرية، كل هذا يفوق مخاطرة الحفاظ على العلاقة. وفيما يتعلق بـ«الربيع العربي»، يبدو الرئيس مطمئناً تماماً لفكرة أنه يتعين على شعوب المنطقة أن تدير أمورها بنفسها. ويجب على الولايات المتحدة ببساطة أن تنحني للعاصفة حتى تمر إذا ما أمكن ذلك. الوصية الخامسة: حافظوا على مصالحنا الجوهرية. يرى أوباما أن الشرق الأوسط مقسم إلى خمس مصالح محورية، واثنتين تقديريتين. فالمهم بالفعل هو الخروج من العراق وأفغانستان، والحفاظ على سلامة البلاد من وقوع هجمات، واستغناء أميركا عن النفط العربي، وتنفيذ التعهد الأميركي بالحفاظ على أمن إسرائيل، ومحاولة منع إيران من إنتاج قنابل نووية. ويرى أنه قد نفذ أربعاً منها حتى الآن، ويعمل على الخامسة والنجاح ليس مؤكداً فيها إلى حد بعيد. والمصلحتان التقديريتان هما مواصلة عملية السلام العربية الإسرائيلية، وتهيئة الشرق الأوسط ليصبح ملائماً للديمقراطية. وهاتان مصلحتان مرغوبتان ولكن في الحقيقة ليستا حاسمتين، مهما يكن من أمر ما قد يعتقده جون كيري عن أهمية التوصل إلى اتفاق إسرائيلي - فلسطيني. وقد يعتقد المرء أن الشرق الأوسط فوضى، وأن نهج أوباما متخبط. ولكنني أرى أن أوباما ليس كذلك، مع الأخذ في الاعتبار أولوياته الداخلية وتفكيره فيما يعتقد الجمهور الأميركي في هذه القضايا. والحكم يتعلق بالاختيار وحتى الآن فخيارات الرئيس واضحة. ------- ينشر بترتيب خاص مع «واشنطن بوست» و«بلومبيرج نيوز سيرفس»