ما يحصل في مصر يوجب على العرب جميعاً عدم الوقوف عند صفوف المتفرجين، فصراع «الإخوان» مع الحكومة المؤقتة خرج عن كل الخطوط الحمراء. والتدويل الذي يدعو إليه البعض ليس حلاً إذا كان الداخل، خاصة الطرف المعاند من «الإخوان» الذي وضع العربة أمام الحصان الحل عندهم لا يمكن إلا بعودة «الشرعية» المزعومة، أي بمعنى كما صرح البعض منهم رجوع مرسي والحكومة السابقة مع البرلمان بغرفتيه إلى ما كان قبل الثالث من يوليو. سياسياً إذا كان النهر المتدفق سيعود إلى مجراه مرة أخرى، فهذه المطالب يمكن أن تعود، فالواقع تغير، والتعامل معه صار حتمياً، والتضحية بمزيد من دماء الأبرياء فداءً لـ «الشرعية» لم يعد مقبولاً، لا شرعاً ولا عقلاً ولا منطقاً. فمن يعوّل على الغرب في هذه اللحظات الحرجة، فإن مثال سوريا التي تركت لمصيرها خير دليل، على أن مصر كذلك يراد لها ذات الشيء، ولكن هل يسمح العرب بحصوله في أرض الكنانة والحضارة والإسلام المعتدل؟ على كافة الدول العربية، وليس الخليج فقط، وضع أيديها في يد مصر التي تريد التيارات الإسلامية المتطرفة قطعها، فإن لم يقطع العرب الطريق عليهم فإن التيار المتشدد هدفه جر مصر إلى مصير لا تحمد عقباه. فالتحرك العربي الذاتي بعيد عن الجمود الغربي مطلوب الآن وبأسرع ما يمكن، لأن دماء رجال الأمن والشرطة والأبرياء في الساحات المفتوحة لا ينبغي أن تهدر وتباح من أجل «اللاشيء»، الوهم أو العدم. فالأمة العربية اليوم أمام تحدٍّ حقيقي، لأن ترك الحبل على الغارب لـ«الإخوان» يعني إذابة الأمة العربية في مشروع «الخلافة الإسلامية» المزعومة، وذلك عن طريق المزيد من الفوضى غير الخلاقة وهدم أركان الأمن والأمان والاستقرار في المجتمعات التي وصل إلى أروقة الحكم فيها التيار الإسلامي السياسي. بدل أن تتحول مصر إلى مشروع لـ«التدويل»، ينبغي أن تكون مشروعاً لـ«التعريب»، بمعنى أن يكون العرب أولاً هم المعنيون بحل مشاكل مصر الاقتصادية أو السياسية، وهو أمر مختلف عما يثار حول التدخل في الشؤون الداخلية المصرية، فـ«الإخوان» يلعبون على هذا الخيط الرفيع، يتهمون بعض دول الخليج بالوقوف مع الحكومة المؤقتة ضد «الإخوان»، فما قامت به بعض دول الخليج ما هو إلا استجابة لنداء الواجب الذي يحتمه الظرف الصعب الذي يمر على الأمة العربية ليس في مصر وحدها، بل في كل الدول العربية التي تغيرت فيها الأنظمة ولم تأتِ إلا بما هو أسوأ من سابقاتها. وأخطر ما في فكر «الإخوان» بالنسبة لمصر ولغيرها من الدول التي صدِّر إليها هذا الفكر الشمولي، هو أن فكرة الخلافة لديهم هي في الواقع مشروع «إمبراطورية» يتخطى كل حدود الدول العربية والإسلامية، وكذلك الغربية، ألم يعلن «حزب التحرير» مرة عن مشروع «الخلافة الإسلامية» في بريطانيا. يصر «الإخوان» على ذلك، وهم على استعداد للتضحية بكل مقدرات الأمة في سبيل الوصول إلى هذا الهدف النهائي من كل ذلك، هذا في وقت انهارت فيه كل الإمبراطوريات المعروفة في التاريخ الغابر والمعاصر وكان آخرها الاتحاد السوفييتي، وكادت أميركا أن تصل إلى هذه المرحلة في عهد بوش الابن، إلا أن مجيء أوباما إلى الحكم أوقف هذا الطموح «البوشي» وفضل التراجع والانكفاء، لأن كلمة التوسع الإمبراطورية في أفغانستان وباكستان والعراق كسرت ظهر أميركا. وإصرار «الإخوان» على استكمال هذا المشروع الذي وضع قواعده وأسسه «البنا» المرشد الأول لـ«الإخوان»، قبل أكثر من ثمانية عقود، فمصر الآن بالنسبة لـ«الإخوان» ولاية من ولايات «الإمبراطورية الإسلامية» التي يراد أن يتم بناؤها ولو على جثث الأبرياء وزعزعة استقرار الدول الآمنة في سربها.