حكى لي الأستاذ نبيل نعيم أحد قيادات تنظيم «الجهاد» المصري، الذي حارب في أفغانستان سنين وزامل بن لادن والظواهري، أن قيادياً إخوانياً كان يطلق على نفسه اسماً حركياً هو «عز الدين» أتى، غير مرة، إلى مدينة بيشاور الباكستانية قادماً من أوروبا خلال فترة التسعينيات من القرن المنصرم ليموّل إرهابيين يقومون بأعمال في مصر ضد النظام الحاكم، وأنه عرض هذا على الظواهري فقال له: نحن اخترنا الآن محاربة الغرب الذي هو بالنسبة لنا «العدو البعيد» ونؤجل مواجهة النظم الحاكمة في العالم العربي «العدو القريب»، كما أن «الجهاديين» في مصر لم يعد لهم وجود قوي، لأن أغلبهم جاء إلى أفغانستان، ومن ثم ليس بوسعي أن أستجيب لطلبك. ويكمل نعيم: ذهب عز الدين هذا إلى قيادات من «الجماعة الإسلامية» كانوا قد تمكنوا من الهرب إلى أفغانستان، وأبرم معهم اتفاقاً يقضي بتمويل عملياتهم بغية إنهاك النظام عبر إظهاره بمظهر العاجز عن صد الإرهاب، والتأثير السلبي على الأوضاع الاقتصادية من خلال ضرب السياحة وحركة الاستثمار القادم من الخارج. ومع كل عملية كانت جماعة «الإخوان» تصدر بيان إدانة، لتبين للنظام والرأي العام المصري أنها تشجب الإرهاب، وأنه من الممكن الاعتماد عليها في محاربته، أو لمِّ شمل التنظيمات العنيفة وتطويقها وحصارها إن تم السماح لـ«الإخوان» بحيازة مشروعية قانونية وشرعية سياسية. هذه رواية إن صحت تجعلنا نعرف أنه ليس غريباً أو جديداً أن يتحالف «الإخوان» مع تنظيم «القاعدة» وغيره من التنظيمات الجهادية سراً، وإن كانوا قد درجوا طيلة السنوات الماضية على مهاجمته في العلن وإدانة هجماته واعتداءاته الإرهابية. فرايات «القاعدة» السوداء ظهرت في كل الحشود الإخوانية في ميدان التحرير أيام حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، الذي تولى الحكم عقب تخلي مبارك عن السلطة، وبانت أكثر في اعتصامي رابعة والنهضة اللذين تمكنت قوات الأمن، التابعة لوزارة الداخلية، من فضهما الأسبوع الفائت. ثم اتضحت الصورة بشكل جلي خلال العمليات العدائية التي دبرها «الإخوان» في ميدان رمسيس يوم الجمعة الماضي، ولم يقتصر الأمر هذه المرة على رفع الرايات السود، وإنما رأينا أسلحة نارية مرفوعة في قبضات أيدي عناصر «القاعدة» وسط «الإخوان»، وزاد الأمر رسوخاً بعد إعلان قوات الأمن القبض على باكستاني وسوداني وفلسطينيين وسوريين من بين المجموعة التي حاولت اقتحام قسم شرطة الأزبكية. وأيام حكم مبارك كنا نقرأ في الصحف أخباراً عن ضبط إرهابيين، بين حين وآخر، بعضها كان يبدو حقائق دامغة، من زاوية ما يقدم في ركابها من شواهد ودلائل، وبعضها لا يحمل برهاناً ناصعاً وساطعاً على ما به من مضمون، الأمر الذي جعل كثيرين يتشككون في هذه الأخبار ويرون أنها ربما تكون اختلاقاً من وزارة الداخلية لتبين أن النظام يواجه إرهاباً، وتحفظ لكبار ضباط الأمن المختصين بمكافحته المزايا المادية والمعنوية التي حصلوا عليها منذ أن بدأت موجة الإرهاب العاتية في عهد مبارك خلال حقبة التسعينيات. وأيام حكم المجلس العسكري السابق رأينا إفراطاً في الحديث عن ضبط خلية لتنظيم «القاعدة» في حي مدينة نصر في سبتمبر 2012، وما يجري الآن يبين أن كثيراً من هذه الأخبار لم يجانبه الصواب أبداً. فما لا يمكن إنكاره أن هناك عناصر تكفيرية من «القاعدة» وغيرها قد أطلت برأسها على الساحة المصرية في السنتين الأخيرتين، وظهرت بيارقها ومواقفها في أحداث عدة، وبانت خطورتها جلية في سيناء الحبيبة الغالية، واستغل بعضها الإرباك الذي اعقب اندلاع الثورة وما جرى في ليبيا وزحف إلى مصر قادماً من أماكن عدة، وزحفت معه كميات هائلة من السلاح. وما زاد الأمر وضوحاً هو قيام الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي بالإفراج عن قيادات «جهادية» إرهابية، مستخدماً حقه كرئيس للجمهورية في العفو عمن شاء من السجناء. فيومها تعجب كثيرون من هذه الخطوة، وحذروا من خطورتها، وتحدث البعض عن تحالف خفي بين «الإخوان» وبقايا التنظيمات الإرهابية، عبّر عن نفسه بوضوح خلال اللقاء الذي احتشد فيه «الإخوان» وأنصارهم من «الجهاديين» في الصالة المغطاة باستاد القاهرة وقام خلاله مرسي بإعلان الجهاد في سوريا وقطع العلاقات معها. وسبق هذا بالطبع انزلاق «الإخوان» أنفسهم إلى العنف والدم، في خمس مواجهات مع الثوار خلال حكم مرسي. وقدم القيادي الإخواني محمد البلتاجي دليلًا دامغاً على هذا التحالف حين أطلق جملته الشهيرة: «إذا عاد مرسي إلى السلطة توقفت العمليات المسلحة ضد الجيش في سيناء فوراً»، وهي عبارة تفوه بها وسط أنصار «الإخوان» في رابعة ومعهم مجموعات من «السلفية الجهادية» كانت قد خططت في شهر إبريل 2012 لاقتحام مبنى وزارة الدفاع، لكن القوات الخاصة للجيش تمكنت من ردهم وإجبارهم على الفرار خائبين. وتحالف «الإخوان» مع «القاعدة» ليس مستغرباً بعد أن تحكمت في تنظيم «الإخوان» مجموعة تؤمن بأفكار سيد قطب، التي تكفـّر السلطة والمجتمع وتبرر حمل السلاح ضدهما وترى في الغرب «دار حرب» وتستحل أموال المسيحيين ودماءهم، وكذلك في ظل حاجة «الإخوان» الماسة إلى التكفيريين المسلحين في تنفيذ مخططهم بإنهاك الدولة وتخريب الوطن، مثلما هو دائر الآن في مصر. ولا شك أن عين الأمن اليقظة أيام مبارك حرمت «الإخوان» من أن يسلحوا تنظيمهم الخاص ويدربوه على النحو الذي يمكنهم من الدفاع عن حكمهم عنوة حين حازوه بعد ثورة يناير، كما أن الموجة الثورية الهائلة التي جرت في 30 يونيو الماضي حرمت «الإخوان» من تنفيذ مخططهم بتكوين تنظيم للأمن الداخلي على غرار «الباسيج» في إيران، وهو ما كان «الإخوان» يرتبون إليه، وقطعوا في سبيله خطوات أولية. وبالتالي لم يعد «الإخوان» في تنفيذ مخططهم الإرهابي الحالي سوى الاستعانة بعناصر من «القاعدة» تسللت إلى مصر، واستقر عدد كبير منها في سيناء، وكذلك مجموعات تنتمي إلى «الجماعة الإسلامية» ممن ارتدوا على المراجعات التي قامت بها الجماعة، وأعلنت بمقتضاها تركها للعنف وحمل السلاح ضد الدولة والمجتمع. وظهرت أعمال هذه المجموعات الإرهابية المسلحة في صعيد مصر بعد أن أسقط الشعب حكم «الإخوان» بمساندة الجيش، وزادت أعمالها بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة.