في العام الماضي أطلق رئيس شركة لوفتهانزا الألمانية كريستوف فرانز تصريحات هستيرية ضد شركات الطيران الخليجية قائلاً "إن كل ما يجيده الخليجيون هو إقامة شركات طيران في الصحراء وإطلاقها بأسعار تنافسية في الأسواق الدولية". حينها أشرنا إلى أن هذه التصريحات تعبر عن انزعاج أوروبي عام من النجاحات الكبيرة التي حققتها شركات طيران "الإمارات" و"الاتحاد" و"القطرية"، وذلك بعد جهود سنوات من العمل المتواصل والذي أوصل هذه الشركات إلى مد خطوطها لقارات العالم وتقديم أفضل الخدمات للمسافرين، مما أهلها للمنافسة واكتساب ثقة المسافرين، بما فيهم الأوروبيون. وبدلاً من أن يأخذ رئيس لوفتهانزا بعين الاعتبار التطورات المتلاحقة في العلاقات الاقتصادية الدولية، والتي يأتي من ضمنها انتهاج سياسة الأجواء المفتوحة واشتداد المنافسة وان يعمد إلى معالجة الخلل الذي أصاب إدارة شركته، فانه لجأ إلى الحل الأسهل، وهو انتقاد الشركات الأخرى التي استوعبت هذه التغيرات، علما بان الأمر لا يتوقف على إقامة شركات طيران فحسب، إذ أن ذلك لا يكفي لتحقيق النجاح، فدول مجلس التعاون الخليجي استثمرت أكثر من 50 مليار دولار في السنوات القليلة الماضية في إقامة بنية متطورة لأنشطة الطيران، وبالأخص التوسعات الكبيرة التي شهدتها مطارات أبوظبي ودبي والدوحة. مؤخرا أعاد السيد فرانز تقييم موقفه وصرح قائلًا إن شركة لوفتهانزا التي يديرها تسعى إلى التعاون وإيجاد شراكات مع شركات الطيران الخليجية، وهو ما يمثل عين الحكمة ويعود بالفائدة على مؤسسته وعلى الشركات الخليجية التي تحقق النجاح تلو الآخر وتتطور بصورة ملفتة للنظر وتثير الإعجاب، وهو يعرف قبل غيره أن مجالات التعاون متوفرة ومتعددة وأن هناك شركة ألمانية أخرى هي "إير برلين" استفادت كثيراً من شراكتها وتعاونها مع "الاتحاد" للطيران بأبوظبي، وأنه لولا هذا التعاون لفقدت الشركة الألمانية قدرات تنافسية مهمة. وفي هذا الصدد بمقدور "لوفتهانزا" الاستفادة من تجربة شركة "كوانتس" الأسترالية، والتي انتقلت إدارتها السابقة من مواقف غير ودية إلى الشراكة مع طيران "الإمارات"، والتي ساعدت الشركة الأسترالية على التغلب على العديد من الصعوبات التي تعاني منها، حيث يعتبر مطار دبي حالياً إحدى أهم محطات "كوانتس" خارج استراليا. لذلك، فإن شركات الطيران الخليجية الثلاث لم تتحول إلى شركات عالمية فحسب، وإنما أصبح التعاون معها من قبل الشركات الأخرى طريقاً للنجاح، وهو ما استوعبته العديد من إدارات شركات الطيران في العالم والتي كان آخرها إدارة لوفتهانزا. أما أوجه التعاون والشراكات فهي متعددة وتشمل نقل الركاب والشحن الجوي والترانزيت وتسهيل تبادل المقاعد، إذ عادة ما ترحب الشركات الخليجية بمثل هذا التعاون، وذلك رغم قوة موقعها وقدراتها التنافسية ومستوى الخدمات الراقية التي تقدمها. هذا هو الاستيعاب الصحيح لعالم المنافسة في الأجواء المفتوحة والذي يعتبر جزءاً من عالم العولمة الذي أدى إلى انفتاح الأسواق وزيادة شدة المنافسة، حيث لا يمكن إيقاف هذا المد العالمي الجديد من خلال الانزعاج من نجاحات الآخرين، وإنما من خلال التعاون معهم والاستفادة من خبراتهم، خصوصاً أن أهم شركتين لصناعة الطيران في العالم، وهما "إيرباص" الأوروبية و"بوينج" الأميركية أصبحتا تعتمدان بصورة متزايدة في تسويق طائراتهما الحديثة على شركات الطيران الخليجية والتي تستحوذ على أكثر من 80 في المئة من مبيعاتها في الشرق الأوسط، كما أن طيران الإمارات تعتبر الأولى الداعمة للاقتصاد الأميركي بضخها أكثر من 40 مليار دولار إلى جانب توفير 234 ألف وظيفة، مما يعني أن مصالحها أضحت مرتبطة بصورة وثيقة بتقدم الشركات الخليجية. عالم الطيران والمنافسة في الأجواء سيشهد في السنوات القادمة المزيد من التغيرات والتي لا بد من استيعابها والتعامل معها بما يتناسب وما يشهده العالم من تغيرات تقلب الموازين السابقة وتبرز معها قوى ومؤسسات جديدة تعكس موازين القوى الاقتصادية في عالم متغير، حيث تتطلب الحكمة التعامل مع هذه التغيرات بما يتناسب والمستجدات الدولية.