دعوة "إليكس فيشمان" المحلل العسكري في صحيفة "يديوعوت أحرنوت" الإسرائيلية ، الحكومة الإسرائيلية إلى "ترك العرب يتقاتلون، ليقتل واحد منهم الآخر، لأن أي تدخل إسرائيلي قد يعيد التفاف العرب مع بعضهم على عدوهم التاريخي". وتطرقه للعلاقة بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس"، ولـ"الفوضى" الاقتصادية والدستورية والنزاع بين المسلمين والأقباط، ومحاربة السلفيين لـ"الإخوان"، والأحداث في سيناء، حيث يحارب البدو قوات الجيش، وانشغال مصر بالمشروع الأثيوبي على مياه نهر النيل ، ومذابح القبائل في ليبيا، والأحداث في تونس بين السلفيين وقوات الأمن، والأحداث في الصومال والسودان" مختتماً المقال بعبارة: دعوهم (العرب) يقتلون أنفسهم بهدوء. هذه الدعوة يجب أن يقرأها عقلاء العرب بروية، ويستخلصون منها العبر، ذلك أن الانشقاق العربي الذي توسعت دائرته، وتعددت أشكاله، خير حصانة للوجود الإسرائيلي، بل والاجتراء الإسرائيلي على الحقوق العربية. في حقيقة الأمر إن الثورات العربية بدأت تأكل أصحابها أو بدأ أصحابها يأكلونها، ولم تلح في الأفق- حتى الآن- أية بوادر عن تبلور فكرة الدولة الديموقراطية الحديثة، مع التقدير أن هذا التحول يحتاج لبعض الوقت. فمصر غارقة في فوضى ومنازعات بسبب عدم قبول المعارضة وصول (الإخوان المسلمين) إلى سدة الحكم، وإنْ جاؤوا عبر صناديق الاقتراع؟ كما أن الحرب الإعلامية بين الطرفين (الحكومة والمعارضة) على أشدها. ولقد تجاوزت حدود المعقول في القيم الإعلامية، كما أن أوضاع مصر الاقتصادية مرتبكة، مهما كان الدعم الخليجي، لأن الدعم حتماً لن يكون للأبد ما لم تبادر البلد في قطف نتاج الثورة وتحقيق الشفافية والإنتاجية في بلد ليس فقيراً مثل مصر، بل إن التطرف بالتمسك بالكرسي من شأنه إدخال البلاد موجات جديدة من الفوضى والعنف والفوضى والعنف المضادين .والحال في ليبيا أيضاً لا يسّر، لأن الدولة لم تبسط سلطاتها على كل الأراضي الليبية، وأن القتال ما زال سيد الموقف في أنحاء متفرقة من هذا البلد! الذي لم يصدّق أهله أنهم تخلصوا من حكم القذافي لأربعين عاماً. تونس أيضاً ما زالت تتأرجح بين النضج السياسي والحرية ودولة المؤسسات وبين الدعوات السلفية التي تريد للبلاد أن تعود إلى تابوت التاريخ. اليمن حظهُ التعيس لم يكن بأفضل من حظوظ بقية دول "الربيع العربي"، رغم التفاؤل بالمبادرة الخليجية، ورغم انهيار الدولة "الناهبة " لخيرات اليمن، والتي تركته على عتبات الدول المانحة بعد الرحيل المُستوجب لعبدالله صالح. أما سوريا فلها قصة أخرى وهي معروفة لدى الجميع؛ خصوصاً مع إعلان الأمم المتحدة وصول عدد القتلى في النزاع إلى 93 ألف شخص حتى نهاية شهر أبريل الماضي، وتشريد الملايين إلى العراء، ووضح تواطؤ دولي لاستمرار مأساة الشعب السوري، خصوصاً في الموقف الأميركي الذي لم يكن نداً للموقف الروسي الصارم. الفلسطينيون أيضاً لهم أيادٍ تكتوي بنار الاحتراب فيما تدب الخلافات بين أهل غزة وأهل الضفة الغربية، وها هي الأسرار الخفية بدأت تظهر، والاتهامات بين أهل غزة وأهل الضفة بدأت تغزو وسائل الإعلام. ومن حق الكاتب الإسرائيلي أن يسخر أو يغمز من قناة العرب علناً، ويدعو حكومته تلك الدعوة المباشرة، لأن العرب وضعوا أنفسهم في موقف ينطبق عليه المثل الخليجي: من سوى نفسه سبوس لعبت به الدجاج... أي من يهن يسهل الهوان عليه. وإذا كان العراق– بعد تخلصه من الحكم الديكتاتوري– وعلى مدى عشر سنوات لم يتوصل إلى عراقٍ معافى ، يجتمع أهله على الخير والمحبة والبناء، فكيف لنا أن نتصور بلداناً بائسة وليست غنية، أن تسمو فوق جراحاتها وتبني لشعوبها ملاذاً آمناً وتوفر له عيشاً كريماً. لقد انشغلت أربعة بلدان عربية بـ "إزالة آثار الديكتاتورية" منذ انطلاقة "الربيع العربي"، وما تزال تلك الآثار باقية، بل أتاح زوال الديكتاتورية بروز ديكتاتوريات فردية، وأصبح لبلد- مثل مصر- 80 مليون رئيس، الكل ينادي بأحقيته بحكم مصر. وينطبق الشيء ذاته على بقية البلدان "الثائرة " نحو الخراب، ثم نأتي إلى السودان والصومال وسوريا والعراق والجزائر ولبنان والأردن، وكلها تعاني حروبَ ما تحت الأرض، وبعضها يعاني حروب ما فوق الأرض. تبقى الدول الخليجية- التي تحتّم الأمانة عدم تجاهلها- فهي في منأى عن الفوضى أو الانفلات، كونها تحتفظ ببعض الخصوصية التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وأن المواطن فيها لا يعاني ما يعاني المواطن في تلك البلدان "المنتفضة"، أو تلك التي تعاني سكرات الموت. وأن الدول الخليجية توفر للمواطنين سبل العيش الكريم ومستلزمات الحياة الإنسانية. دعوة الكاتب الإسرائيلي تحتاج لمن يقرؤها بعمق وتمعُن، خصوصاً المسؤولين العرب، لأن المواطنين العاديين لا دخلَ لهم في القرارات المهمة ذات السيادة، وتلك المتعلقة بالمواقف الاستراتيجية من العدو الصهيوني. لن نزيد في نظرتنا التشاؤمية، لكننا عندما نقرأ أوراق اليوم، نزداد ثقة بأن "الآتي أعظم"، وأن الأوضاع في البلاد العربية ستزداد سوءاً، وأن الأوضاع في إسرائيل ستزداد هدوءاً وطمأنينة وأمناً، فهل يعي "علية القوم" هذه الحقيقة؟