بعض المراقبين أخذوا يصفون الحزب "الجمهوري" بأنه قوة تحتضر في الحياة السياسية الأميركية، ولكن هذا النعي مبكر وسابق لأوانه. والواقع أنه إذا استمر "الجمهوريون" في إرضاء الجناح "اليميني" المتطرف للحزب، فإنه حزبهم قد يلاقي المصيرَ نفسه الذي عرفته الديناصورات؛ غير أن صعود الحزب "الجمهوري" من جديد مازال ممكنا. ولهذا الغرض، سيتعين على "الجمهوريين" عندما يعودون من الاستراحة الصيفية أن يعيدوا تنظيم صفوفهم، ويتواصلوا من جديد مع قاعدتهم، وينأوا عن العناصر اليمينية المتطرفة، ويمدوا جسور التواصل مع المعتدلين والمستقلين من أجل إعادة تأسيس أنفسهم كحزب وطني ذي قاعدة واسعة. فبعض أشرس المعارك التي وقعت مؤخراً لم تدر بين الحزبين الرئيسيين وإنما داخل معسكر سياسي واحد: ذلك أن "الجمهوريين" في حرب مع بعضهم بعضا؛ حيث تتصارع الفصائل "الجمهورية" في مجلس النواب ومجلس الشيوخ حول مواضيع مختلفة، من برامج المراقبة التابعة لوكالة الأمن القومي إلى إصلاح الهجرة إلى السياسة الخارجية إلى المخططات التكتيكية لمحاربة إصلاح أوباما لنظام الرعاية الصحية. وعلى سبيل المثال، فقد استأثر "كريس كريستي" حاكم ولاية نيوجيرسي والسيناتور "راند بول" عن ولاية كنتاكي بالكثير من عناوين الصحف، بعد أن تبادلا الشتائم أثناء تصارعهما على الأضواء، وربما على منصب المرشح الرئاسي الأوفر حظا لعام 2016 أيضاً. وهذه المناوشات "الجمهورية" الأخيرة تُبرز عبارات تتكرر عادة من بينها: نشطاء حركة الشاي مقابل الجمهوريين التقليديين؛ والوافدين الجدد على واشنطن مقابل السياسيين المخضرمين والمحنكين؛ ومشرعون يعارضون أي شكل من أشكال التوافق مقابل مشرعين يرغبون في العمل مع النظام. والواقع أن الخلافات الداخلية أمر مألوف وشائع بالنسبة لحزب خارج السلطة (الحزب الذي لا يوجد في البيت الأبيض)، وخاصة حزب مازال يلعق جراحه بعد خسارة ثاني انتخابات رئاسية على التوالي. ولكن الاقتتال الداخلي يخلق فرجة غير ضرورية ويُبقي على زعماء الحزب - وأتباعه - في موقف الدفاع. كما أنه يحول دون تشكيلهم لائتلاف فائز من أجل الانتخابات المقبلة. غير أنه بدلاً من أن يستأثروا بعناوين الصحف أثناء تصارعهم حول التكتيكات، يتعين على "الجمهوريين" أن يخططوا بعناية لطريقة لاستعادة علامتهم التجارية واسترجاع وضعهم كحزب وطني ذي قاعدة واسعة. ولعل أفضل طريقة للشروع في هذه العملية تكمن في إعادة توجيه الجهود بعيداً عن أطراف الحزب، والعمل بدلًا من ذلك على جذب القاعدة الطبيعية للحزب، المحافظين والمعتدلين ذوي الميول المحافظة الذين يمثلون أغلبية الناخبين الأميركيين. لقد أمضى "الجمهوريون" وقتاً كثيراً في التركيز على الطرف الواقع على أقصى اليمين في ائتلافهم، وقاموا باستعداء الكثير من محافظي التيار الرئيسي والناخبين المتأرجحين. كما أثار نشطاء حركة "الشاي" الكثير من الصخب، بل وأفسدوا بعض الانتخابات. ولكن فصيلاً غاضباً مناوئاً للحكومة ليس هو الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه حزب وطني ذو قاعدة واسعة، في نهاية المطاف. وبدلاً من السعي لاسترضاء النشطاء الذين يثيرون أكبر قدر من الصخب، يتعين على زعماء الحزب أن يجدوا طرقا جديدة للتقرب من "المحافظين" والمعتدلين المستائين الذين يحنّون إلى بيت سياسي. ثم إن السياسة هي لعبة أرقام، في نهاية المطاف. والأرقام تشير إلى أن ثمة مجالًا واسعاً لصعود يمين الوسط من جديد. والواقع أن التركيز على الخسائر التي مني بها "الجمهوريون" في الانتخابات الرئاسية الأخيرة يصرف الانتباه عن حقيقة أن الجمهوريين يبلون بلاء أفضل على صعيد الولايات. ذلك أن "الجمهوريين" يتولون حكم 30 ولاية وبسطوا سيطرتهم على برلمانات 23 ولاية، في حين يسيطر "الديمقراطيون" على 13 برلمان ولاية. وعلاوة على ذلك، فإن بيانات استطلاعات الرأي تُظهر أن زعماء الحزب لديهم مجال للبناء على هذه النجاحات على مستوى الولايات. وفي هذا الصدد، يجب على كلا الحزبين التقرب من المعتدلين والمستقلين قصد بناء ائتلافات انتخابية، ولكن "الجمهوريين" يمتلكون تفوقا عدديا. ففي 2011، وهي آخر سنة قام فيها مركز "جالوب" بنشر ملخصه السنوي حول ميول وتوجهات الأميركيين الأيديولوجية، وصف 40 في المئة من الكبار أنفسهم بأنهم محافظون، وقال 35 في المئة آخرون إنهم معتدلون، في حين قال 21 في المئة فقط إنهم ليبراليون. والواقع أن هذه الأرقام ليست بالأمر الجديد. فمنذ أن شرع مركز "جالوب" في طرح هذا السؤال في 1992، يتفوق "المحافظون الإيديولوجيون" على الليبراليين عدديا بـ2 لـ1 تقريبا، كما أن أغلبية كبيرة من المستجوَبين (بين 75 في المئة و80 في المئة) عرفوا أنفسهم كمحافظين أو معتدلين. ثم إنه إذا كان الحزب "الجمهوري" يضم جناحاً يمينياً واضحاً، فإن هذا الأخير أبعد ما يكون عن تشكيل قاعدة مهمة، ذلك أن أغلبية (53 في المئة) ممن يعرِّفون أنفسهم بأنهم "جمهوريين"، أولئك الأكثر ولاء للحزب، يقولون إنهم "محافظون"؛ كما أن المعتدلين يتفوقون على من يقولون إنهم محافظون جدا بـ23 في المئة مقابل 20 في المئة. وخلاصة القول إن على "الجمهوريين" أن يضطلعوا بدور المراقب والكابح لتجاوزات "الديمقراطيين" والتصدي للتشريعات التي تنقل البلاد في الاتجاه الخطأ، وذلك لأن عدم القيام بأي شيء يُبقي على الوضع القائم على حاله. غير أنه حتى في هذا المناخ السياسي المتوتر، ستظهر بعض الفرص لإعادة البلاد إلى سكتها. وبخصوص بعض المواضيع على الأقل- مثل الهجرة، وتقليص أجزاء من إصلاح أوباما لنظام الرعاية الصحية- يستطيع "الجمهوريون" إيجاد مجال للتعاون مع "الديمقراطيين" والبحث عن فرص للتوافق. وإذا نجحوا في ذلك، يستطيع "الجمهوريون" تقاسم الفضل في نجاحات تشريعية وتذكير الناخبين بأنهم مازالوا يستطيعون تشكيل قوة للتغيير الإيجابي. إيمي بلاك أستاذة العلوم السياسية بكلية «ويتن كوليدج» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»