أصبح واضحاً الآن، في ضوء الحدث المصري خصوصاً، ماذا عني ويعني صعود ما يسمى «الإسلام السياسي». أما الأكثر وضوحاً فهو فضيحة «الاقتناع الأميركي - الغربي» بأن هذه الجماعات التي قفزت إلى الحكم مؤهلة فعلاً لبناء الدولة أو لإدارتها. لم تطرح العواصم الغربية على نفسها السؤال: نعم، وصلوا عبر صناديق الاقتراع، لكن ألم ننخدع بهم، ألم يكن لهم وجه قبل الانتخابات وظهر وجههم الآخر بعدها؟ ونعم، سعوا جاهدين للوفاء بتعهداتهم حيال مصالحنا، لكن ألم يفشلوا في ممارسة السلطة فاستثاروا فئات الشعب ضدهم بمن فيها كثيرون ممن صوتوا لهم؟ فكما أن جماعة «الإخوان» ليست مقبلة على مراجعة أخطائها التي صارت جرائم إرهابية، يبدو أيضاً أن الدوائر الدبلوماسية الغربية لا ترغب في مراجعة هفواتها التي صارت وقوداً لشحذ التعنت «الإخواني». كان ولا يزال هناك تقصير غربي فادح في تشخيص المسار التصاعدي الذي بلغ ذروته في الثلاثين من يونيو الماضي، وتواصل التقصير في فهم الخطوات والإجراءات التي تلته وصولاًَ إلى انتهاء الاعتصامات بالقوة. حتى الإعلام الغربي انقاد وراء حكوماته التي لم تشأ الاعتراف بأن الأزمة التي نشأت لم يعد ممكناً حلُّها بفتح كتب العلوم السياسية لتلاوة التعريفات الأكاديمية لمقومات الديموقراطية، أو لتوضيح عدم جواز تدخل الجيش. فلا «الإخوان» يقرُّون بما في هذه الكتب، ولا الجيش كان يرغب أساساً في التدخل كما يعرف كل من التقى قادته من مصريين وعرب وأجانب. طبعاً، كان لابد من حل سياسي، وهذا ما جرّبته الأطراف المصرية منذ الإعلان الدستوري في (نوفمبر 2012)، فالاستفتاء على الدستور (ديسمبر 2012)، لكن «الجماعة» صفّدت كل الأبواب وأوصدتها وواصلت عملية «الأخونة». وعندما اقترب موعد 30 يونيو كان جلياً أنهم ليسوا بصدد العمل على حل سياسي، ومع ذلك لم ينشط أحد في الغرب لإنذارهم بأنهم ولغوا في الخطأ بحيث تصعب مساندتهم. وكما كانوا في الحكم، كذلك في الاعتصام، أرادوا كل شيء أو لا شيء، كل السلطة أو يحرقون البلد، على طريقة بشار الأسد، ملهمهم وحليف «صديقهم «الإيراني». كل السلطة تعني لهم كل الدولة، كل الجيش، كل الشرطة، كل المؤسسات، وكل الفن والثقافة والسياحة ... فالمشكلة عند المرشد ومكتبه أن ثمة دولة وجدت من قبل، بل إنها من أقدم الدول، وبالتالي فإن الهدف المنشود، أي «كل شيء»، يتطلب جيلاًَ أو أكثر لتحقيقه، ولا تكفي ولاية رئاسية واحدة، لكن اتضح الآن أن العجلة جعلت «الإخوان» يعتمدون على تنظيمهم السري وارتباطاته مع عصابات التطرف والإرهاب، إذ إنه يستطيع افتعال أحداث لهز المؤسسة العسكرية - الأمنية وهيبتها والتلاعب بقياداتها لتصبح «على السمع والطاعة» في خدمة «دولة الجماعة» وأنصارها. ليس فقط أن الإعلام والحكومات في الغرب تجاهلت خطورة أهداف هذه الجماعة، بل تعامت أيضاً عن اتجاهين بالغي الخطورة. أولهما السعي إلى تفكيك الدولة، والآخر إعادة إنعاش مجموعات الإرهاب التي وجدت نفسها في وضع يمنحها نوعاً من الشرعية ما كانت لتحصل عليه في أي دولة على الإطلاق. فهل أن مثل هذين الاتجاهين يحققان للغرب مصالح في مصر، أي هل يريد لها أن تغرق في الإرهاب، وألا تكون هناك دولة متماسكة؟ تساؤلات مشروعة تفرضها ضرورة فهم حقيقة السياسات التي اتبعها الغرب في مقاربته للأزمة المصرية. التطورات أكدت أنه لم تكن هناك تجربة أو عملية ديموقراطية صحيحة يتفاعل «الإخوان» معها، وإنما كانت هناك محاولة للاستحواذ على الدولة واستخدام الإرهاب لتطويع الشعب. في أي حال، لم يخرج «الإخوان» من الاعتصامين كما دخلوهما. كانت لديهم مظلومية «إطاحة الشرعية»، وأصبحت أيديهم ملطخة بالدم. انتهكوا حرمات المساجد، واعتدوا على المؤسسات، وأحرقوا الكنائس، ويريدون مواصلة التوتير لإدامة عدم الاستقرار وشل الدولة. دخلوا الاعتصامين ومعهم شيء من التعاطف، وخرجوا مدانين ملعونين لا يمكن أن يكون لهم أي وجود في أي مصالحة إلا بعد محاسبتهم، ولا أي وجود في المشهد إلا بعد أن يقرروا ما إذا كانوا حزباً سياسياً يعمل بالمعايير القانونية، أو أنهم جماعة دعوية لا علاقة لها بالعمل السياسي. سيكون أمامهم طريق طويل قبل أن يعيدوا تأهيل أنفسهم ليستعيدوا شيئاً من القبول من جانب المجتمع المصري.