بعد أحداث طهران 2009 الدامية على إثر الانتخابات الإيرانية التي اتهم فيها المحافظون بالتزوير، وصعد الإصلاحيون -بقيادة حسين موسوي وكروبي- احتجاجاتهم مطالبين بإعادة الانتخابات، وهي مطالبات قوبلت بالرفض القاطع من قبل المحافظين، الأمر الذي أثار شكوك الإصلاحيين في نزاهتها، مما زاد الاحتجاج احتداماً واشتعالاً، بعد تلك الأحداث، ووصولاً إلى انتخابات 2013، كانت كل المؤشرات السياسية التحليلية العميقة تتجه إلى القول بأن رياح إيران القادمة ستكون إصلاحية أو على الأقل اعتدالية، وهذا ما أكده الفائز روحاني نفسه بالقول إن فوزه هو انتصار للاعتدال على التطرف. والمشهد الإيراني طيلة السنوات الأربع الماضية لم يكن مشهداً ستاتيكياً قاراً، والنظرة الإعلامية لا تستطيع تغيير معادلات الواقع العميقة تحت السطح. وليست إيران وحدها وإنما بعض دول منطقة الشرق الأوسط الأخرى ركدت طيلة أربعين سنة مضت تحت ظروف الديكتاتورية والفساد وطمس التناقضات السياسية والاقتصادية والمجتمعية تحت سطح قشرة القمع الشديد، فكان الإيحاء بالاستقرار وهماً وزيفاً ومخاتلة، سرعان ما فضحته أحداث إيران في يونيو 2009 وتحركه أكراد سوريا في 12 مارس 2004 ، وثورة تونس في يناير 2011 مع ما تلا ذلك مما بات يسمى «الربيع العربي» الذي امتدت تأثيراته إلى سوريا واليمن وبعض دول شمال أفريقيا. والأرجح أن فوز حسن روحاني سيؤدي إلى تحول لا نقول إنه سيكون بالضرورة جذرياً في السياسة الإيرانية الخارجية والداخلية، ولكن يتوقع أن يسجل تحول تدريجي ملموس، وستقوم القيادة الإيرانية الجديدة بتحديد موقفها من العديد من القضايا الخارجية وبخاصة قضايا وأزمات المنطقة، من «الربيع العربي»، وخاصة الأزمة السورية (بعد تعقد الوضع كثيراً في سوريا مدفوعاً بتدخلات وتداعيات إقليمية ودولية كثيرة، وقد كانت إيران الرئاسة السابقة لاعباً رئيسياً فيها)، وقضية النووي الإيراني، وقد نشهد في مجال السياسة الخارجية تحولًا سيؤثر بالطبع على مجريات الأحداث في المنطقة بشكل ملحوظ. أما على الصعيد الداخلي فالأرجح أن نشهد تحولات داخلية عديدة من الانفتاح على الأقليات، وتحسين الاقتصاد بتخفيف أو إيقاف المساعدات لقوى وتنظيمات إسلامية في المنطقة والعالم، وكذلك إصلاحات اقتصادية في الداخل، وانفتاحاً أكثر على الغرب، كما سنشهد صراعاً خفياً في البداية بين روجاني وخامنئي، سيتحول مع الزمن إلى صراع جلي وشديد قد يقسم الشعب الإيراني من جديد إلى فريقين متناقضين متصارعين، أو على الأقل متخاصمين بسبب تناقض المواقف بين خامنئي وروحاني المعتدل، ولكنه لن يظهر في المدى القريب، وإنما المتوسط من الفترة الرئاسية الجديدة. وفي اعتقادي أن فوز روحاني انقلاب أبيض، انتخابي، أو ربيع إيراني بلباس انتخابي -تغيير ناعم- قد يساهم في انتقال ديمقراطي بطيء وتدريجي ومليء بالتناقضات والمنعطفات الحادة، أي أن سيناريو التحول المؤلم وارد لإيران المستقبل القريب، وغير بعيد أيضاً اشتعال الصراع واحتدامه بين الإصلاحيين والمحافظين وتكرار ما حدث في 2009 ولكن بصورة معكوسة بسبب احتجاج الطرف المحافظ هذه المرة، ولو بعد أشهر من انتخاب روحاني، الأمر الذي سيدفع الإصلاحيين إلى رد الفعل الشديد باعتبارهم قوة داعمة للمعتدل -روحاني- وربما سبب فوزه، قد يتحول إلى ربيع إيراني أشبه ما يكون بـ«الربيع العربي». إنه من وجهة نظري الزمن الإيراني بتأثيراته الكبرى على المنطقة سلباً أو إيجاباً. -------- حواس محمود كاتب وباحث سوري -------- ينشر بترتيب مع خدمة «منبر الحرية»