لا يزال التباين داخل البيت الأبيض قائماً حول طبيعة التعامل مع إيران في ظل أجواء الاعتدال التي بثها انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً لإيران. فلا يزال البرنامج النووي الإيراني يكتنفه الغموض، ولا تزال الشبهات تحوم حول أبعاده العسكرية فيما ينفي الجانب الإيراني بدوره ذلك الأمر. كما أن السجال لا يزال قائماً بين مفاوضات ومباحثات تجمع إيران مع مجموعة 5+1، وبين إيران وممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون التوصل إلى نتيجة ملموسة في تلك المباحثات. وفي ظل ذلك السجال الدائر، وبينما كانت إيران تهمُّ بتنصيب رئيسها الجديد، استبقت الولايات المتحدة ذلك الأمر بعدد من الخطوات يرى البعض أن من شأنها أن تؤثر سلباً على التعاطي الإيراني مع مجموعة 5+1 في المباحثات القادمة. بداية ومع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية الحادية عشرة وفوز روحاني، لُوحظ تعاطٍ إيجابي من قبل البيت الأبيض حول تلك النتائج باعتبار أن فوز روحاني سيكون انطلاقة لانفتاح إيران على المجتمع الدولي والتعاون البناء معه. وهذا التصريح سار في خضم مجموعة من الرسائل الإيجابية التي بعث بها الغرب لإيران. وتدعيماً لزخم هذا التوجه بعث 130 عضواً من أعضاء الكونجرس برسالة إلى الرئيس الأميركي يحثونه على التعاطي الإيجابي مع فوز روحاني. وهذه الرسالة التي تحث على التوجه الدبلوماسي والتعاطي مع إيران، تزامنت معها خطوات أخرى تمثلت في فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران والتي تتركز تحديداً على قطاع البتروكيماويات، وقد سرى مفعولها مع بداية يوليو المنصرم. والفريق المتفائل بفوز روحاني كان يأمل أن يتم على أقل تقدير تأجيل بدء سريان هذه العقوبات لإعطاء الرئيس الجديد مؤشراً إيجابياً يستطيع الانطلاق منه ويتحدد معه مدى صدقية الشعارات التي نادى بها خلال حملته الانتخابية. وهذان التوجهان في الولايات المتحدة واللذان يرى فيهما النظام الإيراني نوعاً من الازدواجية، لم يكونا ببعيدين عن خطاب المرشد الذي أشار فيه قائلاً: «أنا غير متفائل بالمحادثات مع أميركا، مع أني لم أمنع في السنوات الأخيرة المفاوضات حول قضايا معينة مثل العراق». وأردف قائلاً: «لا يمكن الثقة بالأميركيين وهم غير منطقيين وغير صادقين في تعاملهم... موقف المسؤولين الأميركيين خلال الأشهر الماضية كرّس مرة أخرى ضرورة عدم التفاؤل بهم». وجهة نظر المرشد هذه لم تكن لتغيب عن المسؤولين الإيرانيين، فبوصلة النظام الإيراني حددت اتجاهها، وتوجب على الآخرين الاهتداء في سيرهم بها. ومن هذا المنطلق تباحث البرلمان الإيراني تلك الرسالة التي وُجهت إلى الرئيس الأميركي وجاءت نتيجة تلك الدراسة أن أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان علاء الدين بروجردي أنه تم بحث الموضوع بصورة إجمالية و«توصلنا إلى نفس النتيجة التي طرحها المرشد. وتتمثل تلك النتيجة في أن أميركا ليست جديرة بالثقة، فنواب الكونجرس وقبل فترة قصيرة من هذه الرسالة، بعثوا برسالة إلى أوباما انتقدوا فيها الانتخابات الإيرانية ومواقف الدكتور روحاني في أول مؤتمر صحفي عقده، معربين عن تأييدهم للحظر... لا يمكننا الاعتماد على تحليل جديد بشأن الرسالة التي بعثها 130 من أعضاء الكونجرس الأميركي. وما لم نشاهد تغييراً في المواقف الأميركية يمكن الاعتماد عليها، فإن الحديث عن الحوار الجاد مع أميركا يفتقد الموضوعية». ينتهي حديث بروجردي هنا ليؤكد معه تناغم التوجهات السياسية في إيران مع توجهات بوصلة النظام الإيراني ومركز مجرتها (المرشد علي خامنئي). إذن لا تزال الشكوك تحوم حول درجة المصداقية التي يكِنها كل طرف للآخر. ففي الوقت الذي يوجد فريق في إيران يؤيد مسألة الانفتاح والتعاطي مع الغرب وأميركا، يوجد فريق في أميركا يقابل هذا التوجه بالرفض ويطالب بتشديد العقوبات. ويصدق الأمر كذلك بالصورة المعاكسة، ففي مقابل الفريق الأميركي الذي يسعى إلى التعاطي مع إيران، ينبري فريق من إيران يرفض مثل ذلك التعاطي، مشككاً في مصداقية أميركا، مستدعياً في الوقت ذاته الماضي لدعمه في ذلك وخاصة انقلاب 1953 على حكومة مصدق والدور الأميركي فيه. إنه الأربعاء الذي يسبق الرابع من أغسطس موعد التنصيب الرسمي لروحاني بوصفه رئيس إيران السابع. 400 عضو من مجلس النواب الأميركي يؤيدون فرض عقوبات جديدة على إيران. والنتيجة عقوبات جديدة في طريقها على إيران بشرط موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي عليها. ويعود السجال ليستمر من جديد فالرئيس الإيراني حسن روحاني يوجه في أول مؤتمر له بعد تنصيبه خطابه للغرب، مطالباً إياه بإبداء الاحترام للشعب الإيراني والابتعاد عن لغة التهديد التي لا طائل منها. ولا يتوقف السجال عند ذلك الحد، فأعضاء مجلس الشيوخ في خطاب وقعه 76 من أعضاء المجلس البالغ عددهم 100 عضو، يدعون إلى التأكيد على خيار اللجوء للقوة العسكرية مع البحث عن حلول دبلوماسية في الوقت نفسه. مما تقدم فإنه يتضح جلياً أن ذلك السجال سوف يستمر بين النظام الإيراني من جهة وبين أميركا والغرب من جهة أخرى، يغذيه وجود أطراف من كلا الجانبين لا زالت مشككة في مصداقية الطرف الآخر. كما أن الضغوط الإسرائيلية لن تكون ببعيدة عن التوجهات الأميركية حيال إيران. وإذا كنا هنا في منطقة الخليج العربي نعتقد بحق أية دولة بالحصول على البرنامج النووي السلمي، فإن هذا الأمر ينسحب على حق الجانب الإيراني أيضاً في الحصول على برنامج نووي سلمي ونؤكد هنا على عبارة سلمي، الأمر الذي يتوجب معه أن يدرك النظام الإيراني أن إصراره على برنامجه النووي يقابله إصرار المجتمع الدولي بأسره على رفع وإزالة أي غموض يكتنف هذا البرنامج والتأكيد على سلميته. وهو أمر سيعود بالنفع على استقرار المنطقة، وتخفيف الضغط على الشعب الإيراني من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه.