عبرت دولة الإمارات العربية المتحدة عن موقف متقدم وقيادي تجاه الأحداث الجارية في مصر، وأيدت بكل وضوح كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقالت بوضوح: "وتغتنم الإمارات هذه الفرصة لتقف مع السعودية في دعم مصر الشقيقة وسيادة الدولة المصرية وتؤكد أنها تدعم دعوة خادم الحرمين الشريفين لعدم التدخل في شؤون مصر الداخلية، وكذلك موقفه الثابت والحازم ضد من يوقدون نار الفتنة، ويثيرون الخراب فيها انتصاراً لمصر الإسلام والعروبة، وهذا ما عهدناه من خادم الحرمين الشريفين من صلابة في الموقف وجرأة في قول الحق، وطرح عقلاني هدفه مصلحة المنطقة واستقرارها وخير شعوبها". إنه موقف صريح وصارم في تأييد ودعم الدولة المصرية والشعب المصري ضد كل التهديدات التي يواجهانها داخلياً وإقليمياً ودولياً، والإمارات في معركتها مع جماعة "الإخوان المسلمين" التي لم تبتدئها بل واجهتها قد كسبتها بالضربة القاضية. خطاب جماعة "الإخوان" ومؤيديها من شتى التيارات يكثر في الفترة الأخيرة من التحذير من الدماء وخطورة إراقتها وأنها أمّ الشرور، وأن الانقلابات العسكرية مرفوضة جملةً وتفصيلاً من حيث المبدأ، وهنا يجب أن نتساءل هل حقاً جماعة "الإخوان" ضدّ الدماء وضدّ الانقلابات العسكرية دائماً وأبداً؟ أم أنهم يتقلبون في هذا الصدد بحسب مصالحهم الخاصة ومكتسباتهم الضيقة؟ أولاً، الموقف من الدماء. منذ إنشاء جماعة "الإخوان" وإلى اليوم، فإنها كانت تسعى بجدٍ وجهدٍ لإراقة أكبر عددٍ ممكن من الدماء، من حيث الخطاب ومن حيث الفعل. لقد رأى الجميع اليوم كيف أن "الإخوان" يقتلون رجال الشرطة والجيش وعامة الناس بالأسلحة الخفيفة والثقيلة بدمٍ باردٍ، ويطلقون النار الحي من مآذن المساجد كمسجد الفتح ويحرقون الكنائس والمساجد، ويمثّلون بالجثث، وهو أمر قديمٌ قدم الجماعة، فمثلاً حسن البنّا أنشأ "النظام الخاص" ومهمته تحديداً هي القتل والاغتيال، و"البنا" نفسه كان يقول كما ينقل عنه القرضاوي "إنّه كان يأسف، لأنه كان يريدها مظاهرةً سلميةً، لا لأنّه يعتقد أن حقوق مصر تنال بالمظاهرات السلمية فقط، ولكن لأنه يرى أن الوقت لبذل الدم لم يحن بعد، وأن كل القوّة وكل البأس يجب أن يدخر ليوم الدم" وقد قام التنظيم تحت قيادته بقتل عددٍ من خصومه السياسيين والقضاة وأعضاء التنظيم. قامت الجماعة باغتيال كلٍ من رئيس الوزراء أحمد ماهر ورئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي والقاضي أحمد الخازندار، قام بقتل القاضي محمود سعيد زينهم عضو النظام الخاص ومعه آخر، وقام بقتل النقراشي الإخواني عبدالمجيد حسن، وقاموا بتصفية الإخواني سيد فايز صفّاه عبدالرحمن السندي. هذا فضلاً عن التفجيرات التي يقتل فيها عديدون قد لا تحفظ أسماؤهم ولكنهم كانوا أبرياء لا ذنب لهم سوى تعطش الجماعة للسلطة عبر إراقة الدماء، وقد حرصت على ذكر المقتول والقاتل بالاسم لنستذكر أنهم بشرٌ كانت لبعضهم مكانة اعتبارية ومعجبون أو كانوا عاديين لهم آمالٌ وئدت ومحبون ناحوا. بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الضباط الأحرار في 1952 اعتقد "الإخوان" أنهم شركاء فيه وأنهم قادرون على توجيهه والاستحواذ عليه وكتب سيد قطب مقالاتٍ شديدة التحريض على الثأر والانتقام والدماء، وأقر حسن الهضيبي المرشد الثاني بقاء التنظيم الخاص، وقاموا بمحاولة اغتيال عبدالناصر في حادثة المنشية باعتراف من شارك في العملية الإخواني محمود عبداللطيف مؤخراً. كان سيد قطب دموياً بخطابه الآيديولوجي الذي يحرض على التكفير والقتل وكان حسن الهضيبي مؤيداً له، وقام قطب بالتخطيط لتنظيم عسكري يقوم بالتفجيرات والاغتيالات، وقد خرجت من عباءة خطابه وخطاب الجماعة عموماً تنظيمات العنف الديني في السبعينيات والتسعينيات. قام تلاميذ خطاب الجماعة باغتيال وقتل كلٍ من: الرئيس أنور السادات والشيخ محمد الذهبي والمفكر فرج فودة وحاولوا اغتيال الأديب العالمي نجيب محفوظ والرئيس المصري حسني مبارك، وقاموا بقتل العديد من الأقباط والسيّاح والمصريين الأبرياء. قام فقهاء الإخوان الذين كان يُظنُ ببعضهم الاعتدال بإصدار فتاوى القتل وتبرير جرائمه، ومن ذلك موقف محمد الغزالي المشين في الدفاع عن صفوت عبدالغني ورفاقه الذين اغتالوا فرج فودة، وقام القرضاوي بإصدار فتاوى القتل بالجملة والتفصيل في أحداث متعددة يستعصي حصرها في هذا السياق. ثانياً: الموقف من الانقلابات العسكرية، الذي يتابع حجم الهجوم الذي تقوده جماعة "الإخوان" وبعض المثقفين المتعاطفين معها من جنس "لست إخوانياً" ولكنه يدافع عنهم أفضل منهم، يجد أن الهجوم على ما يجري اليوم بمصر يتم باعتباره "انقلاباً عسكرياً". حسناً، هل جماعة الإخوان المسلمين قديماً وحديثاً كانت ضد "الانقلابات العسكرية" على مستوى الخطاب والرموز والمواقف أم أنه موقف يتقلب ما شاءت له الأهواء ويتغير ما أرادت له المصالح الضيقة، القصة طويلة ولا بأس من أخذ جوانب منها. كان واحداً من أهداف إنشاء النظام الخاص هو تنظيم الانقلابات العسكرية، يقول القرضاوي وهو يعدد أهداف النظام: "خامسها: السعي إلى تغيير الحكم العلماني الذي لا يحكم بما أنزل الله... عن طريق انقلابٍ عسكريٍ تكون طلائعه من أبناء النظام الخاص"، وقد شاركت الجماعة بشكلٍ كبيرٍ عام 1948 في صناعة الانقلاب ضد إمام اليمن التي سميت حينها بـ"الثورة" وشارك في التحضير للانقلاب صهر البنّا عبدالحكيم عابدين والفضيل الورتلاني ومجّده كل رموز الجماعة. وكذلك انقلاب الضباط الأحرار في 1952 ثورة يوليو، شارك بعض عناصر "الإخوان" مع الضباط الأحرار في الانقلاب على الملك فاروق، وأكثروا الترحيب بانقلاب العسكر وكتبوا فيه الكثير من المديح والثناء، ولم يتخلوا عن ذلك حتى أظهروا العداء لضباط الثورة وبادلهم الضباط الأمر ذاته، كما كان واحداً من أهم أهداف تنظيم سيد قطب 1965 الإعداد لانقلابٍ عسكري يطيح بالسلطة في مصر. في 1989 نظّم "الإخوان" في السودان انقلاباً عسكرياً لم يزل في سدة الحكم، وقد قتل الملايين وخسر نصف مساحة البلاد وقاد ما تبقى منها بالحديد والنار، وفي 2007 قادت حركة "حماس" انقلاباً عسكرياً في قطاع غزة ولم تزل تحكم القطاع بالقوة والعنف المفرط. أخيراً، من يريد أن يقنعنا بأن الصقور من تلاميذ سيد قطب كمحمد بديع ومحمود عزت ومن بعدهما خيرت الشاطر هم حمائم سلام وقادةٌ سلميون فهو إما جاهلٌ أو مخدوع.