استمرار التجاذب في مصر... وعودة الاستقطاب في إيران حالة التجاذب السياسي في مصر، وتنفذ المحافظين في البرلمان الإيراني، وانتخاب رئيس جديد في جمهورية مالي، ثلاثة موضوعات دولية استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. التجاذب في مصر في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو حلل الكاتب بيير روسلين أبعاد التجاذب السياسي الراهن في مصر، مشيراً إلى أن لجوء قوات إنفاذ القانون لفض اعتصام «الإخوان» في ميدان رابعة العدوية، وإعلان حالة الطوارئ، جاء بعد تفاقم أعمال العنف التي عرقلت حياة الناس وعطلت مصالحهم وأقلقت الأمان العام في الشارع، ويهدف هذا التدبير أيضاً لإظهار مدى تصميم الجيش المصري على عدم ترك القوى المتطرفة تفرض أجندتها وإرادتها على إرادة الشعب، مستغلة ظروف ما بعد الثورة التي عرفتها البلاد منذ سنتين. ويرى الكاتب أن «الإخوان» ما زالوا يسعون لتأجيج المصادمات مع قوات إنفاذ القانون لكي يلعبوا على «مظلومية» مزعومة ويقدموا أنفسهم في صورة «ضحايا الثورة»، هذا في حين أثبت «الإخوان» بالدليل القاطع خلال سنة حكمهم أنهم لم يستطيعوا تسيير شؤون البلاد بطريقة ديمقراطية. ولاشك أن تبنيهم لمنطق القوة والصدام وإيغالهم في العنف يغلق الباب أمام إمكانية عودتهم للمشاركة في العمل السياسي خلال استحقاقات عودة الديمقراطية بضمانة من المؤسسات الراهنة. ويخشى الجميع الآن من مخاطر اتساع الصراع، وشبح احتراب أهلي، ولمثل هذه المخاوف ما يبررها، بطبيعة الحال، وخاصة أن الأغلبية الساحقة من المصريين تجد نفسها الآن كرهائن لصراع مفتوح يفرضه «الإخوان» على عموم المجتمع والدولة. ويجد المسيحيون الأقباط خاصة أنفسهم على خط الخطر الأول، يقول الكاتب، وقد بدأ المتطرفون يستهدفونهم بشكل متواتر. واعتبر الكاتب أن الصراع الراهن الذي يفرضه «الإخوان المسلمون» على مصر يعيد التذكير بالصراع السابق في عهد عبدالناصر، وإن كان ذلك الصراع قد جرى في زمن آخر وسياق دولي مختلف. وفي مسألة استهداف الأقباط خاصة نشر الكاتب نفسه افتتاحية أخرى في لوفيغارو أيضاً حول تزايد ما يتعرضون له من هجمات، واستهداف الكنائس عبر البلاد، من قبل أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي. وقد بات تكرار أعمال عنف من هذا القبيل حدثاً يومياً في مصر التي يحاول «الإخوان» الذهاب بها إلى حرب أهلية. ومع أن أعمال العنف ذات الطابع الديني والطائفي كانت تسجل من حين لآخر في عهد مبارك، إلا أنها تفاقمت بشكل خاص خلال سنة حكم الرئيس الإخواني، في مؤشر على سعي منظمة «الإخوان المسلمين» لفرض رؤيتها الإيديولوجية وأجندتها الخاصة على كافة أطياف المجتمع. وفي وقت تبدو فيه مصر على مفترق طرق، ويُخشى أن يدفعها «الإخوان» باتجاه سيناريو التمزق السوري، يتعين على الدول الغربية أن تضع على رأس اهتماماتها الدعوة إلى حماية الأقليات الدينية، يقول الكاتب، الذي يرى أن الامتناع عن ذلك تحت دعاوى فضفاضة بعدم التفريق بين المصريين أو السوريين، على أساس ديني، إنما هو استسلام أمام عربدة أكثر التيارات الإسلامية عنفاً وتطرفاً. ومن جانبها اعتبرت صحيفة ليبراسيون في افتتاحية لها أن من المؤسف أن تدخل مصر أيضاً على خط الاحتقان مما يثير القلق من احتمال تفاقم الأوضاع نحو صراع أهلي، على نحو ما وقع في سوريا من قبل، معتبرة أن قوات حفظ النظام المصرية كانت قد أنذرت عدة مرات المعتصمين في الميادين بأنها ستفض وتنهي كافة مظاهر الفوضى في الشارع العام مع نهاية عطلة عيد الأضحى، ولذلك لم تكن في تحركها لإنهاء الفوضى والعنف أية مفاجأة، وكان كل شيء متوقعاً سلفاً. واعتبرت الصحيفة أن الولايات المتحدة وجدت نفسها أمام لحظة الحقيقة إثر عزل مرسي، بعد سنتين من دعم جماعة «الإخوان» وغض النظر عن ممارساتها السلطوية. وتبدو إدارة أوباما الآن في حالة شلل تجاه تحولات الشرق الأوسط العاصفة. كما يبدو الأوروبيون أضعف تأثيراً بكثير من أن يكون لهم دور أو حضور أو كلمة نافذة في مجريات التجاذب الجاري في مصر الآن، وقد اقتصر كل ما في جعبتهم من خيارات على إرسال كاثرين آشتون إلى القاهرة، دون أن تتوصل إلى شيء يستحق الذكر. وفي الأخير دعت الصحيفة إلى إعادة إطلاق مسار سياسي لحل المشكلات القائمة، وذلك لأن ما يجري في مصر الآن له تداعيات إقليمية تتعدى حدودها. وهو يهم خاصة دولتين مهمتين من دول المنطقة هما تونس وتركيا، حيث يتوقف مستقبل الجماعتين الإسلاميتين الحاكمتين فيهما على مجريات الوضع الراهن، والكل يعرف ما يقع عادة بعد سقوط أحد أحجار «الدومينو». حكومة روحاني ضمن تغطياتها للحالة السياسية الإيرانية اهتمت صحيفة لوموند خاصة بمظاهر عودة التجاذب بين المحافظين والإصلاحيين في طهران، مبرزة اعتراض البرلمان الإيراني على ثلاثة وزراء من ضمن أعضاء الحكومة الثمانية عشرة الذين تقدم بهم الرئيس الجديد حسن روحاني. وبعد أربعة أيام من الجدل المحموم وافق البرلمان على خمسة عشر وزيراً في ليلة 15 أغسطس. وفي غمرات الصراع السياسي داخل البرلمان لم يتحصل محمد علي نجفي، وجعفر مليمنفرد، ومسعود سلطانيفر، وهم على التوالي المرشحون لوزارات التربية، والعلوم والبحث، والرياضة، على موافقة أغلبية أعضاء البرلمان. وكانت الذريعة في حالاتهم جميعاً هي اتهامهم بالقرب من تيار الإصلاحيين في إيران، أو دعمهم للحركة الاحتجاجية الخضراء التي عرفتها البلاد في سنة 2009 على خلفية إعادة انتخاب الرئيس السابق نجاد. وهنا وجه العديد من النواب اتهامات مباشرة للمرشح لوزارة البحث مليمنفرد خاصة بتشجيع الطلاب حينها على المشاركة في الأعمال الاحتجاجية، بل إن أحد النواب استشهد بشريط صوتي يطلب فيه مليمنفرد من أساتذة جامعة أمير كبير بطهران التجمع للخروج إلى الشارع في سياق التظاهرات الاحتجاجية ضد النظام. كما اتهم أيضاً بدعم الطلاب المحتجين في جامعة طهران بعد تعرض مساكن الجامعة لهجوم من قبل قوات الشرطة سنة 1999. وموقع وزير العلوم والبحث حساس، لكونه يتولى حقيبة وزارة مهمة وذات تأثير مهم في توازنات النظام، حيث يدرس الآن في الجامعات الإيرانية قرابة أربعة ملايين طالب، ومن يتولى هذه الوزارة تكون كل تلك الأعداد الكبيرة من الشباب تحت سلطته. وقد عرفت الجامعات حالات احتقان في عهد نجاد، بعد اتساع أعمال الفصل والطرد بين طلابها، على خلفية الاحتجاجات، بل إن من بينهم من تمت إدانته بعقوبات سجن. وذات التهم توجه أيضاً للمرشح لوزارة التربية نجفي، الذي انتقد هو الآخر من قبل المحافظين بدعوى عدم ملاءمة أنشطته خلال حملة مرشح الرئاسيات السابق الإصلاحي مهدي كروبي سنة 2009. كما أنه باعتباره عضواً في مجلس العاصمة طهران أدى زيارة إلى عائلات بعض ضحايا القمع خلال تلك السنة نفسها. ولذا فقد اعتبر بعض النواب أنه غير جدير بالثقة. أما المرشح لوزارة الرياضة سلطانيفر فقد انتقد هو الآخر واتهم بسبب علاقته بكروبي. ويرى بعض المحللين أن تلك الوزارة بالذات يقودها الآن بعض قدامى حراس الثورة، ولذلك لا يريد النواب المحافظون أن يفقدوها. وكل هذه الاعتراضات تقول الصحيفة، تدل على أن الأغلبية البرلمانية المحافظة لا تريد ترك أية وزارة على تماس مع شؤون الشباب الإيراني في أيدي الإصلاحيين. مالي: عودة الأمل اعتبرت صحيفة لوموند في مقال بعنوان «في مالي... آمال إعادة البناء» أن انتخاب رئيس جديد لذلك البلد الواقع في غرب أفريقيا، يعيد إنعاش الآمال بتجاوز عثرات وأزمات السنوات الماضية، ولذلك لم ينتظر الرئيس فرانسوا أولاند طويلاً لكي يبعث ببرقية تهنئة إلى الرئيس المالي المنتخب إبراهيم أبوبكر كيتا، بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية يوم 11 أغسطس. وارتياح فرنسا لهذه التطورات الإيجابية في مالي مفهوم، على رغم صدور بعض الانتقادات لإجراء مثل هذه الانتخابات في بلد ما زال على حافة العنف والصراع. ولكن على رغم تهديدات الجماعات المتطرفة واستمرار التجاذب في شمال البلاد، فقد تم إجراء هذه الانتخابات الرئاسية المصيرية في أجواء هادئة تماماً. وكان من اللافت وحتى قبل الإعلان الرسمي للنتائج أن المرشح الخاسر «سوميلا (إسماعيل) سيسي» قد اعترف بخسارته، وهنأ منافسه المرشح الفائز إبراهيم كيتا. وقد كانت كل هذه التطورات والأخبار السارة القادمة من مالي في مجملها «تقدماً للسلام والديمقراطية» بحسب عبارات قصر الأليزيه، وهي مكاسب كان الوصول إليها مستبعداً في السابق، حيث كانت مالي مقسمة إلى شطرين، وعلى وشك الانهيار الكلي والاندثار. إعداد: حسن ولد المختار