بينما يواصل الأميركيون الجدل حول إقصاء مرسي، وما يعنيه ذلك للمعونة الأميركية لمصر، تجنّب أوباما الحكم على آخر تحوّل سياسي في أكبر بلد عربي، وكانت النتيجة أن الولايات المتحدة مستمرة في توفير المعونة، بينما تشجّع علناً الحكومة المؤقتة على مراجعة الدستور وإطلاق انتخابات حرة ونزيهة. ولكن هل يكفي ذلك؟ في الوقت الذي وصلت فيه الثقة بين الولايات المتحدة ومصر أدنى مستوياتها، وفي الوقت الذي يوجد فيه حدّ للأثر الذي يمكن أن يكون للولايات المتحدة على عملية التحوّل السياسي المحلي في مصر، فإن لدى واشنطن ومصر عقوداً عديدة من العلاقات، ويمكن للمعونة الخارجية العادلة والمتوازنة أن تساهم، ولو بشكل متواضع في إنهاء حالة عدم الاستقرار المستمر وتعزيز العلاقات الأميركية المصرية. إلا أن نوع المعونة المقدمة له أهميته، وتحتاج مصر إلى الخبز أكثر من حاجتها إلى البنادق. يمكن لأولويات المعونة الخارجية الأميركية أن تتحوّل من بناء قدرات الجيش إلى التنمية الاقتصادية وحقوق الإنسان، حتى يتسنى لها أن تخدم بصورة فضلى مصالح الشعب المصري. يحصل الجيش على 1,3 مليار دولار من مجموع الـ 1,56 مليار دولار، التي هي المعونة الأميركية السنوية لمصر، وهي نسبة غير متكافئة بين الرصاص والخبز. يتوجب على المعونة الأميركية لمصر أن تركز على الاستقرار وحقوق الإنسان والرفاهية. ويجب تقديم المزيد من المعونة على شكل دعم للمؤسسات الصناعية والبرامج التعليمية والنشاطات الثقافية وحقوق الإنسان وبناء الأحزاب السياسية وتشجيع الحوار بين الكنيسة والمسجد. هناك علاقة بين صورة المانح والمستفيد، وفاعلية المعونة، يمكن في عهد الاتصالات الجماهيرية العالمية أن يتم بسهولة تحييد النتائج الإيجابية للمعونة الخارجية من قبل حملات إعلامية غير مسؤولة في العالم العربي وفي الولايات المتحدة. وإذا جرت هيكلة المعونة الخارجية من خلال شراكة ثنائية، يمكن للخبراء الأميركيين والمصريين أن يضعوا الخطط لبرامج التنمية والتمكين معاً، ويمكن أن ترتكز نتائج التقييم على أهداف متفق عليها بشكل متبادل للمعونة، بينما يمكن أن يضم المقيّمون مصريين. قضية المعونة أكثر من مجرد مادة، فالمضمون السياسي للمعونة الخارجية له أهميته كذلك. يتوجب على واشنطن أن تنسق بصورة فضلى سياستها الخارجية في المنطقة. وإذا اعتبر المصريون، الذين يقدّرون كبرياءهم وتقرير مصيرهم، المعونة الأميركية على أنها أداة تعاون وامتثال، أصبح من الصعب لواشنطن بناء شراكة حقيقية مع القاهرة. يمكن أن يكون لوضوح وهيمنة المعونة الأميركية نتائج عكسية في الوقت الراهن. الحكومة الانتقالية ومعارضوها قلقون حول مشاركة الولايات المتحدة في السياسة المحلية المصرية. النزاهة والحياد يساعدان إلى حدّ ما، ولذا يتوجب على الولايات المتحدة أن تستمر في حثّ كل من الجانبين على المصالحة. في الوقت نفسه تستطيع واشنطن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية في جهود المعونة والدبلوماسية. وحتى يتسنى تعزيز الثقة بشكل إضافي بين واشنطن والقاهرة، يمكن للمعونة الخارجية أن تشجّع التبادلية، مثل برامج التبادل في كلا الاتجاهين. على سبيل المثال، وفيما يتعلق بالمعونة التربوية، يمكن للأساتذة المصريين تقديم دورات في الجامعات الأميركية، وبالمقابل يستطيع التربويون الأميركيون التعليم وتقديم المشورة في مصر. وبالمثل، يستطيع الأميركيون مباشرة نشاطات أعمال في مصر، بينما يقوم المصريون بالأعمال التجارية في الولايات المتحدة. في نهاية المطاف، هناك حدود لما تستطيع الولايات المتحدة عمله لتغيير مستقبل مصر. إلا أن باستطاعة واشنطن تطوير علاقة واعدة مع القاهرة من خلال إشراك المصريين في تشكيل المعونة والمشاركة بنشاط في آليات متعددة الأطراف، وفي الوقت نفسه الاستمرار في توفير مساحة للمصريين ليقرروا مستقبل مجتمعهم ودولتهم. ------ د. غسان روبيز سكرتير الشرق الأوسط السابق بمجلس الكنائس العالمي ------- ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية.