«لو سألت مواطني دولة الإمارات العربية المتحدة عن رغبتهم في تحقيق الديمقراطية في بلدهم، لكان ردهم بالنفي، لأن ما تحقق عندهم يحلم به كل عربي وقد تم ذلك دون ديمقراطية على الطريقة الغربية»... الفقرة السابقة لم تكن من خيالي لكنها مشاركة من عربي في أحد البرامج الحوارية الأجنبية. وأعتقد أنه أصاب كبد الحقيقة، فعندما يرى الإنسان بعقله ما حققته الديمقراطية في الصومال والعراق وحديثاً مصر، يعرف الفرق بين ديمقراطية الوسيلة والغاية، فعند البعض الديمقراطية على الطريقة الغربية هدف سام يسعى إليه الناس، ولو مروا بمستنقع الحروب الأهلية، لأن الغايات العظيمة لابد لها من تضحيات. وعند الفريق الآخر الديمقراطية وسيلة لتحقيق تنمية حقيقية في الدول، فإنْ تحقق ذلك بالوسائل الأخرى، فلم لا. سيبقى السؤال المصيري قابلاً للنقاش لدى العقلاء من الناس في العالم العربي هل نحن جاهزون فعلاً للديمقراطية الغربية؟ الأحزاب الإسلامية من جهة تنادي بالديمقراطية، والأحزاب العلمانية تنادي بها، ولكن كلا الطرفين لم يدرك أهم معاني الديمقراطية،لأن التربية الحزبية لدى الجانبين ليس فيها اعتراف بالرأي الآخر أو حقوق الحزب الخاسر. لقد تعودنا على أن الرابح من حقه تسلم الغنيمة كلها، ولا يسمح لغيره بالمشاركة، وما شهدناه مؤخراً من أحداث في بلد عظيم كمصر، يؤكد أن الديمقراطية الغربية بعيدة المنال عن الشعوب العربية، فالكل ينادي بها متى ما حققت له النصر والكل يشكك فيها إنْ كان هو الخاسر. السؤال الآخر، والذي طرح نفسه بقوة في تاريخنا الحاضر: هل الجماعات الدينية تنجح في الديمقراطية؟ للأسف الشديد تجد تناقضاً كبيراً بين الطرح الفكري لدى هذه الجماعات، فمن حيث المبدأ ليس لديهم في ثقافتهم ديمقراطية الغرب، لأنها تمثل رأي الشعب الذي قد يتعارض مع رأي الدين. فعند الغرب مثلاً قادتهم الديمقراطية إلى الاعتراف بحقوق الشواذ جنسياً في تكوين أسر وهذا أمر محرم في الإسلام كما نعرف. وأدرك أن الشعوب العربية ترفض من حيث المبدأ مجرد التفكير في حقوق الشواذ، لكن كيف التعامل معهم لو أنهم شكلوا حزباً في دولة مسلمة كمصر. في المقابل نجد أدبيات الفكر الإسلامي تركز في مبحث الفرق بين الشورى والديمقراطية، وترجح أن الشورى تختلف في الجوهر عن الديمقراطية الغربية. المفاجأة كانت أن كل هذه الأحزاب الإسلامية بشتى مدارسها هتفت بالديمقراطية عندما كانت وسيلتهم للوصول إلى السلطة. الجماعات الدينية تربت على السرية في حياتها طوال العقود الماضية، ولم تختبر بعد معنى السياسة وما تتطلبه من حلول براجماتية، لذلك تخبطت في طرحها وممارساتها بين ما ربت عليه منسوبيها من سمع وطاعة والشعب الذي يريد التنمية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان. ومن طريف الأمر المقارنة بين الحركة الدينية التركية والعربية متناسين أن الأتراك لم ينتقلوا من السرية إلى العلنية فجأة بل تربوا تحت إشراف الجيش التركي، الذي أسقط لهم أكثر من حكومة في تاريخهم، كما أنهم نجحوا في بلداتهم وبلدياتهم، وطوروا من أدائهم على مستوى الاقتصاد قبل أن يفكروا في حكم البلاد لذلك أتت تجربتهم أكلها التي نعرفها جميعاً وتشير إليها أدق التقارير الاقتصادية، بينما الحركات الدينية العربية قررت فجأة الانتقال من سرية الدعوة والتنظيم إلى إدارة الدول، وهذا ما قادهم إلى الخطأ والزلل، إنه مخاض صعب ما تمر به الدول العربية اليوم. فالعربي يعيش بين فشل التنمية في بعض الدول العربية وبين أحلام الديمقراطية.