تحدثت بعض الدراسات البحثية والكتب السياسية، وآخرها «أئمة الشر» الذي أنتجه «مركز المزماة للدراسات والبحوث» للقيادي السابق في تنظيم الإخوان المتأسلمين وصاحب الكتاب الشهير «سرّ المعبد»، عن تاريخ العلاقات المعقدة بين الجماعات الشيعية المتطرفة وتنظيم الإخوان المتأسلمين كجماعة سنيّة متطرفة أيضاً، وارتباطها الوثيق بقوى أجنبية تشكل المحرك الفعلي لكل خطواتها. فما حدث بالبحرين من تظاهرات مفاجئة في ذات اليوم الذي تمّ فيه فضّ اعتصام مؤيدي الإخوان المتأسلمين في ميداني النهضة ورابعة العدوية بجمهورية مصر العربية، لم يكن وليد صدفة، لكنها دلالة قوية على كثير مما أورده الخرباوي في «أئمة الشر»، لأنها ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الجماعتان بأفعال متشابهة ما يؤكد أن يد التخطيط واحدة وقد شبهها الخرباوي في كتاب «أئمة الشر» بلعبة العرائس التي تراها العين المجردة عرائس تجسيدية تتحرك بينما تكمن الحقيقة التي لا تلوح للعين في يد ماهرة خفيّة تمسك بالخيوط وتحرّكها في كل الاتجاهات، وهو تشبيه يتطابق كثيراً مع ما أعلنه الغرب عن تفاصيل مقتضبة تشرح مصطلح الفوضى الخلاقة الذي أطلقته رايس، وتحول بسرعة خارقة إلى واقع عاشته دول المنطقة بدءاً بالعراق، وانتهاءً بما يحدث الآن وتتناقله وسائل الإعلام هنا وهناك، ففضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بأرض الكنانة رأته دول المنطقة خطوة ضرورية واجبة لدرء الفتنة، بينما رأته دول الغرب ومعها العديد من الدول الأخرى انقلاباً على ما أسموه بالشرعية. ورغم أن آلية فضّ اعتصامات مؤيدي الإخوان المتأسلمين لم تتعدّ الأيام الثلاثة، إلا أن هذه الساعات التي لم تبلغ المئة، قد فضحت للعالم الكثير من الأمور الخفية التي رأى فيها الباحثون بداية النهاية لحركات الإسلام السياسي التي كشفت عن حقائقها، ومدى التنسيق المتقن بينها رغم ما تذر به العيون من تصريحات عدائية لبعضها البعض، فرغم أن دولة الإمارات والبحرين على سبيل المثال تفهمتا أسباب تعامل الحكومة المصرية مع مؤيدي مرسي بهذا الشكل، رأت السعودية أن الخطوة ضرورية، وأنها تقف مع مصر في مواجهة الإرهاب، بينما عبّرت قطر عن موقف مغاير تماماً، فأدانت التّصرف الحكومي المدعوم بقوة شعبية وإقليمية، واعتبرت الأمر انقلاباً على الشرعية، فبعض دول الخليج حينما أيّدت خطوات الحكومة المصرية، كانت تدرك تماماً ما وراء «الإخوان»، وهو ما صدّقته الجمعة التي كشفوا فيها عن وجههم القبيح، فتربصوا برجال الجيش والشرطة. ولا يمكن لأية دولة في العالم أن تترك شرطتها وجيشها يواجهون الرصاص بصدور عارية، وكشف التنظيم الإخواني خلال استهدافه مراكز الشرطة والمرافق العامة المصرية، أن منتسبيه تدربوا على حمل السلاح، ويحملون أسلحة غير تلك التي ضبطتها القوات المصرية في مواقع الاعتصام التي تمّ فضّها، وهو يكشف خطورة الطريق الذي كان يسير فيه «الإخوان» في مصر، فقد كانوا دولة داخل دولة، وجيشاً سرّياً في موازاة جيش علني، رغم أنهم كانوا يحكمون، وهي صفة نلحظها بجلاء في كل المواقع الإخوانية التي لا تؤمن بالقوات النظامية العامة، ولكنها تتعمّد زعزعتها واختراقها وإضعافها لمصلحة قوات موازية مملوكة للتنظيم لا الدولة، يستعين بها «الإخوان» حينما تعترضهم الملمات التي يتحسبون لها دائماً بفضل معرفتهم بحتمية اكتشاف خوائهم ذات يوم، وثورة المجتمع عليهم. إذن، انطلقت مواقف دول المنطقة، والتي استعرضنا فيها دول مجلس التعاون الخليجي كنموذج للمواقف الأكثر تأثيراً في المنطقة برمتها، بينما انطلقت مواقف الدول الأخرى لا عن معرفة، لكن على قياس طبيعة مصر بطبيعة بلدانهم، ناسين أن الأحداث هناك تختلف، وأن ألفاً أو عشرة آلاف من الخارجين عن الإجماع في بلد يزيد على الثمانين مليوناً، وضع البلاد في موقف حرج لابدّ لها أن تختار فيه بين التضحية بالعشرة آلاف أو الثمانين مليوناً. وحتى تلك الآلاف العشرة، لو صحّت التقديرات، نبّهت العالم كله إلى درس مهم، فالحرب الدينية هي المطلب الذي تتعجله جماعة الإخوان المتأسلمين، والتي يحركها محرّك خيوط العرائس الذي أشار إليه الخرباوي، ويحرّك معها الكثير من الدمى، فها هي التفجيرات المتعاقبة التي يتلقاها صدر مدينة الرشيد في العراق متزامنةً مع مظاهرات فجائية لمتطرفي الشيعة في البحرين، وانفجار مدوّ في لبنان، وتحركات فجائية حثيثة في اليمن. إنها محاولة تشتيت واضحة تخطط لنقش أكبر مساحة على لوحة الفوضى الخلاقة، وباللون الأحمر وحده، غير أن العبرة الأكبر التي يجب استخلاصها من تلك الساعات السابقة، أن الغرب بأجمعه، والذي اعتاد الإسراع نحو توجيه الإدانات القوية عندما يتم مسّ أي كنيسة بالمنطقة، خاصة في مصر، لم يجرؤ هذه المرة على الحديث أو السماح لعينيه سوى برؤية قتلى الإخوان المتأسلمين، شافعاً الرؤية الأحادية بإنفاق مجموعة من الإدانات المتعجلة التي لم تحاول حتى مجرد التفكير في الأسباب التي دعت السيسي للتعامل بهذه الطريقة، بينما ذهبت باتجاه روايات التنظيم الإخواني المتأسلم، والاهتمام الشديد بردود فعله، فتركيا أدانت بدافع التلاقي مع الإخوان في الأيدلوجية، بينما قال الكاروري، خطيب مسجد الشهداء الرسمي الذي ينقل التلفزيون السوداني خطبه باستمرار، أن الحرب بالنسبة للإخوان فهموها على أساس أنها حرب دينية وأسمى قتلاهم بالشهداء، بينما أدان الغنوشي موقف مصر بشدة واعتبره حرباً على الإسلام! وبالإجمال حوّلت الدول الإخوانية كل التبعات إلى تنسيق بين السيسي وإسرائيل، وهو لعمري أمر مضحك لو عدنا لتاريخ علاقة الإخوان بإسرائيل، أو على الأقل لما انفضح من تنسيقهم مع إسرائيل إبان فترة حكمهم الظلامية لمصر، لكنه تنظيم درج على الغموض والكذب وإظهار خلاف ما يبطن حتى لأعضائه، وفي ذات الوقت، اتهام الآخرين بكل ما فيه من خفايا وعيوب.