عادة ما يغرق الكونجرس في صراعات حزبية ذات طبيعة أيديولوجية تصرفه عن الاهتمام بعملية التشريع المهمة وسن القوانين التي يحتاجها الأميركيون، وكل ذلك يحدث في إطار من الصراع السياسي المحتدم والمحاولات المستمرة لتسجيل نقاط إما ضد الرئيس، أو ضد الحزب المناوئ، ولكن ما شهدناه في الأسابيع القليلة الماضية بدا مختلفاً، حيث خلت واشنطن من صراعاتها التقليدية وشرع الكونجرس في التوافق حول مجموعة من القوانين ويستعد لإقرار قوانين أخرى في حالة تعاون نادرة بينه وبين الرئيس من جهة، وبين أعضائه من جهة أخرى. ففي الشهر الماضي وافق الكونجرس على قانون جريء لإصلاح مسألة الديون الجامعية التي يتكبدها الطلبة وترهق أسرهم لسنوات طويلة، فخلافاً للمرات للسابقة التي استُغل فيها موضوع سعر الفائدة المفروض على ديون الطلبة في حلبة النقاش السياسي مع توجيه كل حزب تهماً للطرف الآخر بضرب الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها الطلبة وإثقال كاهلها بالمزيد من الأعباء المالية والفوائد البنكية، قرر الرئيس هذه المرة دعم حل توافقي يقضي بربط سعر فائدة تلك الديون بالمعدل الذي تلتزم به الحكومة الفيدرالية عند سداد ديونها. وهو معدل مقبول لا يكبد الطلبة وأسرهم سوى قدر معقول من التكاليف. ولم يعد مشروع القانون ينتظر، ليتحول إلى قانون ناجز، سوى مصادقة مجلس الشيوخ بعدما تم تمريره في مجلس النواب. وفي مثال آخر على تجاوز الكونجرس لحالة الاستقطاب الحزبي التي عرفها في السابق، وتقدمه الحثيث نحو المزيد من التوافق، الإشارات الجيدة التي تلقاها أوباما بشأن رغبته في إعادة هيكلة دور الحكومة في القطاع العقاري والحد من التدخل الفيدرالي، ولاسيما بعدما تبين فشل هذا التدخل من خلال مؤسسات تمويلية عصفت بها الأزمة المالية الأخيرة، حيث أبدى كل من السيناتورين، كروكر، ومارك وارنر، دعمهما لمساعي الرئيس، وعلى رغم التعديلات الجوهرية التي أُدخلت على مقترح أوباما من قبل مجلس النواب، إلا أن الجميع يبدو متفقاً على ضرورة إنهاء عمل وكالات التمويل العقاري التي أثبتت محدوديتها. وبالإضافة إلى المؤسسات المالية هناك أيضاً مؤسسة البريد الفيدرالية التي تعاني من صعوبات مالية جمة تستدعي التدخل لحلها، وللقيام بذلك يعكف حالياً مجلس الشيوخ على بلورة خطة تحظى بقدر مهم من التوافق لعرضها على الكونجرس. وأكثر من ذلك أبدى أوباما تشجيعه للخطة ما يعني أن التوقيع النهائي عليها وتحويلها إلى قانون ليس سوى مسألة وقت. ولا ننسى أيضاً مشروع القانون المهم الذي يحظى بنقاش واسع في الساحة السياسية ويترقبه الأميركيون باهتمام بالغ، وهو المشروع المتعلق بإصلاح الهجرة الذي مُرر أصلاً في مجلس الشيوخ بتصويت 68 نائباً لصالحه مقابل 32 صوتاً معارضاً. وعلى رغم أن المشروع ما زال معروضاً أمام مجلس النواب لمزيد من التداول يبدو من الواضح أن الجمهوريين بدؤوا يميلون إلى قبول صيغة تسمح للمهاجرين غير الشرعيين بتسوية أوضاعهم والحصول على الجنسية. فما السبب وراء هذا التوافق غير المعتاد في واشنطن؟ الحقيقة أن الأمر يعود إلى ابتعاد الموسم الانتخابي من جهة، وغياب القضايا الخلافية الكبرى مثل الموازنة التي يستغلها السياسيون للمزايدة وضرب الطرف الآخر من جهة أخرى. وأكثر من ذلك تخلي الجمهوريين عن صبيانيتهم السابقة ليبقى الأمل معقوداً على أن يستمر التوافق فترة أطول وألا يكون مجرد ظرف طارئ. ستيفن ستومبيرج كاتب محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»