تجمع بين الهند والمملكة المتحدة علاقات قوية ومتينة تكاد تخلو من أي منغصات أو مواضيع مثيرة للجدل؛ غير أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية دبَّ بعض التوتر في علاقاتهما الثنائية بسبب مقترح بريطاني جديد يقضي بإدخال كفالة مالية قدرها 3 آلاف جنيه استرليني (نحو 17 ألف درهم) من أجل منح التأشيرة للهنود الراغبين في زيارة بريطانيا. وهكذا، انتُقدت الخطوة البريطانية من قبل الحكومة في نيودلهي، وكذلك من قبل قطاع الأعمال والشركات الهندي، وهو ما شكل نشازا "في العلاقات الخاصة" التي تجمع بين الهند والمملكة المتحدة. وحالياً، تنكب الحكومة البريطانية على بحث إمكانية فرض الكفالة المالية كمخطط نموذجي على الراغبين في زيارة المملكة المتحدة ممن تصنفهم باعتبارهم أشخاصاً ذوي مخاطر عالية في مجموعة من البلدان، من بينها الهند. وتشمل قائمة الجنسيات الأخرى التي سيُطبق عليها المقترح الجديد كلا من غانا، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، ونيجيريا. وإذا كانت بريطانيا لم تقرر بعد التاريخ الذي ستبدأ فيه تطبيق المخطط النموذجي، فإن الموضوع أضحى مثيراً للجدل؛ حيث وصف وزير التجارة الهندي الكفالة المقترَحة بـ"الإجراء السلبي والرجعي". وانتقدت الشركات الهندية الخطوةَ البريطانية بقوة أيضاً حيث وصفها اتحادُ غرف التجارة والصناعة الهندية بأنها "مثيرة للقلق"، محذراً من أن مخطط الكفالة المالية يمكن أن تؤثر سلباً على المخططات الاستثمارية للشركات الهندية في المملكة المتحدة. كما انتقدَ بريطانيا بشدة لأنها وضعت الهند ضمن فئة تضم بلدانا لا تُعتبر من بين المستثمرين الكبار في المملكة المتحدة؛ هذا في حين توقعت شركات أخرى أن تدفع الخطوةُ البريطانية الجديدة السياحَ الهنود إلى البحث عن بلدان ووجهات أوروبية بديلة أكثر ودية من بريطانيا. الهند ناقشت هذا الموضوع على المستوى الدبلوماسي معتبرةً أنه يتنافى مع روح العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين. ولئن كانت بريطانيا قوة كولونيالية، فإن العلاقات بين البلدين عرفت تغيراً كبيراً؛ حيث سعت بريطانيا خلال السنوات الأخيرة إلى إعادة نسج علاقاتها مع الهند. وضمن هذا الإطار، دفع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون بقوة في اتجاه "علاقات خاصة" خلال زيارته إلى الهند في فبراير هذا العام. وفي مؤشر واضح على تغير العلاقات، أعلنت بريطانيا العام الماضي أنها انطلاقا من 2015 ستوقف برنامج الـ280 مليون جنيه استرليني السنوي للهند اعترافاً بـ"مكانة (الهند) المتغيرة في العالم". وفضلاً عن ذلك، فإن الهند وبريطانيا تبحثان حالياً التعاون في الممر الصناعي "مومباي- بنجالور" لتطوير تسع مناطق ستشكل الممر بين اثنتين من أكبر المدن الهندية، ومن المنتظر أن تخلق وظائف واستثمارات تصل إلى 25 مليار دولار أميركي. غير أن المقترح القاضي بفرض كفالة مالية على الراغبين في الحصول على التأشيرة يُنظر إليه على أنه مناقض للاتجاه العام في العلاقات بين البلدين. وخلال الأسبوع الماضي، أثارته الحكومة الهندية على المستوى الدبلوماسي خلال محادثات بين مسؤولين رفيعي المستوى في لندن. ومعلوم أن بريطانيا، ونظرا لتباطؤها الاقتصادي على غرار بلدان أوروبية أخرى، تسعى للاستفادة من الإمكانيات الكبيرة التي يتيحها الاقتصاد الهندي. غير أنها تشهد في الوقت نفسه تحديات خطيرة بخصوص الهجرة في وقت أصبحت بعض المجموعات اليمينية المتطرفة أكثر قوة وحضورا حيث أخذت توجه انتقادات شديدة على نحو متزايد للحكومة بخصوص مواضيع الهجرة التي أخذت تتسبب في مشاعر إحباط متزايدة بين البريطانيين؛ وتحمِّل الأجانبَ الذين يأتون إلى المملكة المتحدة مسؤولية قلة فرص العمل. ولذلك، فإنه يتعين على بريطانيا أن تحقق نوعاً من التوازن بين بواعث قلقها الداخلية وسياستها الخارجية. فهي لا تملك ترف استعداء الشركات الهندية من خلال إدخال مخطط كفالة مالية تعسفي، ذلك أن الشركات الهندية تخشى أن يؤدي دفع كفالة مالية إلى رفع التكاليف والتأثير على تدفق المال، وخاصة بالنسبة للشركات الصغرى التي تشتغل في التجارة بالمملكة المتحدة وتضطر لإرسال موظفيها إلى هناك بشكل دوري. والجدير بالذكر هنا أن الهند كانت رابع أكبر مستثمر في المملكة المتحدة، وفق أرقام الاستثمارات الخارجية البريطانية، حيث خلقت 7 آلاف و255 وظيفة من خلال 89 مشروعا في 2012- 2013، علماً بأن البلدين في طريقهما نحو مضاعفة حجم التجارة الثنائية من 11?5 مليار جنيه استرليني في 2010 إلى 23 مليار جنيه استرليني في 2015. وفي مؤشر على الكيفية التي تسعى بها بريطانيا إلى خطب ود الهند، يدفع كاميرون، الذي قام بزيارة الهند مرتين في ظرف ثلاث سنوات، في اتجاه مزيد من التعاون بين البلدين في مجالات مختلفة، من التعاون النووي المدني إلى الدفاع والتعاون الاقتصادي. ويذكر هنا أن الهند طلبت من بريطانيا في أكثر من مناسبة، وعلى أعلى مستوى، التخفيف من نظام تأشيرتها الصارم من أجل تسهيل حركة الناس بشكل أكبر. وخلال الآونة الأخيرة، وافقت بريطانيا على منح الهند تكنولوجيا مدنية وعسكرية، مثل الخبرة النووية المدنية. كما اتفق البلدان على بدء مشروع جديد للتعاون في مجال الأمن الإلكتروني، الذي أخذ يثير قلقاً متزايداً. غير أنه في حال تطبيق الكفالة المالية، فإنها من دون شك ستضر بالعلاقات الثنائية، بل وقد تستدعي ردا بالمثل من جانب الهند. وإذا كانت وزارة الداخلية البريطانية قد أوضحت أن الكفالة المالية تروم الحرص على أن يصبح نظام الهجرة البريطاني أكثر انتقائية، فإن هدفها الحقيقي هو خفض عدد المهاجرين القادمين إلى بريطانيا من مئات الآلاف إلى عشرات الآلاف. غير أن هذا، بالنسبة للهند، توضيح غير جيد بما يكفي لأنه سيزيد من صعوبة دخول ليس رجال الأعمال والسياح فحسب، وإنما الطلبة الذين يقصدون بريطانيا لإتمام دراساتهم العليا أيضا.