المفاوضات في مهب الريح... وأوباما يخسر الشرق الأوسط نتنياهو ينسف المفاوضات، وارتباك أميركا في التعامل مع تهديدات ِِ«القاعدة»، والحاجة إلى مراجعة اتفاقية كامب ديفيد، وتراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.. مواضيع ضمن أخرى نعرضها ضمن إطلالة سريعة على الصحافة الإسرائيلية. إفشال المفاوضات انتقدت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها ليوم الثلاثاء الماضي ما اعتبرته استهدافاً للمفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل التي بذل الطرفان والجهات الدولية جهوداً مضنية لإعادة قطارها إلى السكة، فبعد المحاولات العديدة والجولات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي اتفق الجانبان، الإسرائيلي والفلسطيني، على استئناف المباحثات، وتعهد نتنياهو بالسير قدماً في طريقها والحرص على نجاحها بعدما كان يشتكي مما يسميه الشروط الفلسطينية المسبقة. ولذا تقول الصحيفة إنه مقابل موافقة محمود عباس على مناقشة جميع قضايا الحل النهائي، وعدم الاقتصار على مسألة الحدود، أكد نتنياهو أنه لن يباشر عمليات استيطان جديدة، وإن كان الفلسطينيون تخلوا بالفعل عن مطالب تجميد الاستيطان خلال المفاوضات وعدم إثارته. كما وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضاً على إطلاق سراح 104 سجناء فلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية، بمن فيهم مواطنون يحملون الجنسية الإسرائيلية، وذلك كخطوة إيجابية لبناء الثقة وتبديد الشكوك. ولكن ما حصل تقول الصحيفة كشف زيف ادعاءات نتنياهو في إنجاح المفاوضات، فبعد إعلانه عن بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية يكون عملياً قد اغتال المباحثات حتى قبل انطلاقها، ويكون أيضاً، قد أسفر عن وجهه الحقيقي ورغبته في نسف جهود السلام. فبعدما دأب نتنياهو على تصوير الجانب الفلسطيني على أنه هو المعرقل الأول للمفاوضات بات واضحاً اليوم أمام المجتمع الدولي من يسعى إلى إفشالها، وهو ما تشير إليه الصحيفة محذرة من تعميق عزلة إسرائيل وضرب علاقتها ليس فقط مع الفلسطينيين، بل أيضاً مع الولايات المتحدة التي قد تقرر اتخاذ إجراءات عقابية شبيهة بتلك التي أقدم عليها الاتحاد الأوروبي. الضعف الأميركي في مقاله المنشور على صفحات «هآرتس» يوم الخميس الماضي تطرق الكاتب والصحفي «إسرائيل هاريل» إلى ما يسميه الضعف الأميركي الذي تجلى بشكل أساسي في نظره من خلال ردود الفعل المتسرعة والمرتبكة التي أعقبت رصد اتصالات لعناصر «القاعدة» بشأن عمليات إرهابية وشيكة لضرب أهداف أميركية، حيث سارعت واشنطن إلى تحذير مواطنيها في الخارج وأقدمت على غلق 22 من سفاراتها في منطقة الشرق الأوسط، تحسباً لأية هجمات محتملة. وهذا التحرك تضاف إليه، يقول الكاتب، رغبة واضحة لدى أميركا في الخروج من الشرق الأوسط وتركه لمشاكله المستفحلة. فقد سبق لأوباما أن سحب قواته من العراق، وهو يستعد حالياً للخروج من أفغانستان، ولا يريد أبداً الانجرار إلى المستنقع السوري، لتكون الرسالة النهائية التي توجه للعالم من وراء هذه التحركات هي ضعف أميركا وارتباكها. واتخاذ إجراءات أمنية متشددة من قبيل إغلاق البعثات الدبلوماسية لوجود معلومات عن هجمات محتملة لعناصر «القاعدة» التي عانت طيلة السنوات السابقة من التشتت وتعرضت لضربات مستمرة، يفضح الارتباك الأميركي كما قد يضخم من خطر «القاعدة». ولعل الخلاصة التي يريد الكاتب الوصول إليها هي تأثيرات هذا الضعف على إسرائيل، فقد سعى عدد من الكتاب والمعلقين في إسرائيل، يقول الكاتب، إلى تبرير الارتباك الأميركي فيما يشبه رد الجميل للحليف الأميركي، ولكن ذلك لن يخدم تل أبيب التي تحتاج إلى فهم أن أميركا لن تهاجم إيران، كما يريد بعض قادة إسرائيل، فأميركا غير قوية أمام تحركات المتطرفين ومتخوفة من هجماتهم هي أضعف من أن تتورط في حرب أخرى. مراجعة كامب ديفيد رسمت صحيفة «جيروزاليم بوست» في افتتاحية لها صورة سلبية عن الوضع الأمني في شبه جزيرة سيناء، مطالبة بإعادة التفكير في اتفاقية كامب ديفيد وبعض ما جاءت فيها من ترتيبات أمنية لمواجهة التحديات المستجدة. وهنا تقول إن إسرائيل باتت أمام معضلة حقيقية في كيفية التعامل مع حدودها الجنوبية، فمنذ عزل مرسي والحالة الأمنية في توتر مع تصاعد الهجمات على إسرائيل التي أقدمت مؤخراً على غلق ميناء «إيلات» إثر المعلومات المحذرة من هجوم وشيك، وتتمثل المعضلة التي تتحدث عنها الصحيفة في عدم قدرة إسرائيل على اختراق الحدود المصرية لضرب الجماعات المتشددة النشطة في المنطقة احتراماً لما تنص عليه اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها بيجن و السادات في عام 1979، وهي الاتفاقية التي التزم قادة إسرائيل باحترام بنودها منذ توقيعها. ولكن من جهة أخرى هناك القيود المفروضة على السلطة في مصر، وتحد من قدرتها على التحرك في سيناء بموجب الاتفاقية نفسها التي جعلت المنطقة منزوعة السلاح وممنوع انتشار الجيش المصري عليها، وربما ذلك تقول الصحيفة ما دفع إسرائيل إلى اتخاذ عدد من الإجراءات لمواجهة التحديات الأمنية، فالإضافة إلى الجدل الذي أثير مؤخراً حول ما إذا كانت إسرائيل استهدفت مواقع للمتشددين داخل سيناء وما أثاره ذلك من لغط داخل مصر بين مؤكد ونافٍ، هناك أيضاً إجراءات أمنية أخرى تعكف عليها إسرائيل منذ مدة مثل إقامة جدار أمني على الحدود مع مصر بتكلفة 1,5 مليار شيكل ويمتد على مسافة 240 كلم، ثم نشر إحدى البطاريات المضادة للصواريخ بالقرب من «إيلات»، وأخيراً وليس آخراً استحداث لواء جديد على الحدود مع مصر وتوسيع شبكة الاستخبارات. ولكن هذه الإجراءات ليست كافية دون إشراك مصر، ما يستدعي، حسب الصحيفة، إعادة طرح ترتيبات كامب ديفيد على طاولة النقاش مجدداً. أميركا والشرق الأوسط كتب أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيت، يوسي شين، مقالًاً يوم الخميس الماضي بصحيفة «يديعوت أحرونوت» يشير فيه إلى النفوذ المتناقص للولايات المتحدة في الشرق الأوسط في ظل الاضطرابات التي تجتاح بلدانه، منتقداً ردود الفعل المهزوزة والمتأخرة لإدارة أوباما وعدم قدرتها على بلورة موقف حازم وواضح من الأحداث الجارية في المنطقة. فبعد مرحلة أولى اتسمت ببعض الوضوح النسبي في سياسية أوباما خلال ولايته الأولى طغت عليها رغبته في الخروج من الشرق الأوسط وسحب القوات من العراق وأفغانستان، تجد الإدارة نفسها اليوم في حيرة من أمرها إزاء التطورات المتلاحقة في المنطقة، لاسيما بعد اندلاع ثورات «الربيع العربي» وتوالي أحداثها، حيث فشل أوباما، يقول الكاتب، في اتباع نهج واضح في سوريا، تاركاً الانتفاضة الشعبية تتحول إلى حرب أهلية تهدد بتمزيق سوريا وانهيار الدولة وصعود المتطرفين على الساحة. تضاف إلى ذلك المواقف المتذبذبة إزاء الوضع المصري التي جعلته يخسر جميع الفرقاء، بما في ذلك القوى الليبرالية والعلمانية التي تتهم أوباما بالتحالف مع «الإخوان» وعدم تفهمه لهبّتها الأخيرة ودعمها للجيش في عزل مرسي، وحتى الجيش المصري الذي يحظى بتقدير الولايات المتحدة يبدو أنه هو أيضاً فقد ثقته في واشنطن. وهذه الأخيرة التي نجحت فقط، كما يقول الكاتب، في خلق انطباق وحيد مفاده أنها لا يُؤتمن جانبها ولا يمكن الاعتماد عليها، لتضيع بذلك صورة واشنطن ومعها أي قدرة على التأثير في الشرق الأوسط. إعداد: زهير الكساب