عقدة الملحدين أنهم ينظرون إلى مسألة التوحيد على أنها مجرد وهم وأن الحياة في الأرض في نظرهم عبارة عن مجموعة من العوامل الكيميائية والبيولوجية نشأت منذ ملايين السنين بدون خالق. ويشترك في هذا الوهم علماء ومفكرون وفلاسفة غالبيتهم يعتنقون مذهب «اللا أدرية» الفلسفي الذي عبر عنه الفيلسوف سقراط عندما قال: «الشيء الذي لا أزال أجهله جيداً أنني لست أدري»، وهم بذلك ينشرون نوعاً من الثقافة العدمية التي تعاني من عمى وجودي، أي لاترى في هذا الكون الكبير غير الشك والوهم والعدم. إنهم بلا رؤية ودون عقيدة تدلهم على طريق الخالق، حيث فقدوا والتميز بين ما هو حق وما هو وهم، يعيشون حالة من الفوضى الوجودية والفكرية تحرمهم من امتلاك الإجابة على أسئلة مهمة مثل: لماذا هم موجودون في هذه الحياة؟ ولماذا خلقوا؟ ولماذا خلق هذا الكون؟ وما علاقة ذلك بالخالق عز وجل؟ وأين سيكون مصيرهم بعد هذه الحياة؟ إن الإنسان عندما يضل طريق الهداية إلى الله سبحانه وتعالى، يستسلم لمذهب الشك والعدم وحالة الفوضى الوجودية. ومن هنا يحدث الخطأ الكبير الذي أوضحه كثير من العلماء والمفكرين، أعني بذلك خطأ الخلط بين النور والظلام، بين العمى والإبصار، بين حالة الشك ومعرفة اليقين. ولو ألقينا نظرة بسيطة عن حالة الملحدين وهم يقفون بعيدين عن معرفة ربهم، لوجدناهم يعيشون حالة يأس تماماً كمن يعيش لحظات الموت السريري، إنهم أحياء جسداً، لكنهم ليست لهم قلوب تستحضر عظمة الخالق وتدرك أن وجود الإنسان نفسه هو أكبر دليل على وجود الخالق. وقد اقترب المؤرخ الإغريقي «بلوتارك» من تصوير هذا المعنى عندما قال: «من الممكن أن نجد مدناً بلا أسوار ولا ملوك ولا ثروة ولا أدب ولا مسارح... لكن أحداً لم ير قط مدينةً بلا معبد». من هنا فإن التوحيد، كما يذكر أحمد بهجت في كتابه «الله في العقيدة الإسلامية»، لا يظهر بوجهه الحقيقي كمعيار نهائي وحاسم لقبول الأعمال الإنسانية أو رفضها، فما أكثر الملحدين الذين يأخذون بأسباب النجاح المادي في هذه الدنيا وينجحون فيها، وما أكثر الجاحدين الذين اكتشفوا أسرار المادة فسخروها لتقدمهم. إن معرفة الله هي نقطة البداية وهي الأصل الذي تتفرع منه كل المعارف والعلوم والذي يجب أن تقف عنده العقول المنكرة للخالق والتي حولت هذا الإنكار إلى مذهب فلسفي تعتنقه كعقيدة وكنظام حياة. وعندما نراجع جذور هذا المذهب وطبيعته الفلسفية، سنجد أنه غير قادر على تفسير دلالات ما في هذا الكون وقدرة الله سبحانه وتعالى في مختلف أرجاء الكون، بل إنه هو نفسه يحتاج إلى من يعمل على تفسيره. إن آيات الله في الكون، كما يقول الدكتور عمر الأشقر، لا تتجلى على حقيقتها الموحية إلا للقلوب الذاكرة العابرة، لأن هذه القلوب انكشفت عنها الحجب وتفتحت واتصلت بالكون العجيب. يقول ابن أبي حاتم: «عرفنا كل شيء بالله»، وقد سئل ابن عباس: بم عرفت ربك؟ فقال: من طلب دينه بالقياس لم يزل دهره في التباس ظاعناً في الاعوجاج زائغاً عن المنهج.