خبا الاهتمام بالشأن الفلسطيني بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية في الدول العربية التي تغيرت أنظمتها، وبعضها يمثل عناصر رئيسية في الشأن الفلسطيني وعلى رأس هؤلاء مصر وسوريا. وبدون مقدمات تطغى جولات «كيري» المكوكية في الشرق الأوسط على الأحداث الجارية في العالم العربي الذي لم يرسُ على بر ولم يقف عند حد الاستقرار النسبي على أقل تقدير، حتى سمى بعض المحللين جولة «كيري» هذه التي يمارسها بدبلوماسية «الانفجار الكبير». خلال تسعة أشهر من الآن، المطلوب من طرفي الصراع الوصول إلى الحل النهائي لقضية لم تصل إلى أي حل مرضي خلال أكثر من ستة عقود مضت على عمر القضية. فهذا الحراك المفاجئ طبعاً لم يأتِ من فراغ، فقد أخذ الغرب ابتداء الضوء الأخضر من الجامعة العربية لاستئناف المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدون شروط مسبقة وبسرية تامة لا يعلن عن تفاصيلها غير «كيري». سياسياً نقول لماذا تسعة أشهر وليس تسع سنوات إذا كان الهدف النهائي هو الإعلان عن دولة فلسطينية اعتبارية مرسومة الحدود مثل أي دولة في عالمنا المعاصر، لأنه منطقياً ما لم يتم إنجازه خلال أكثر من ستين عاماً لا يمكن سلقه في أشهر قليلة وخاصة إذا كانت المسائل المطروحة عصية على الحل السريع كالمستوطنات وعودة اللاجئين وكذلك الواقع الغزاوي الرافض لأي حل سلمي للقضية وخاصة موضوع الاعتراف بإسرائيل. وبما أنه ليس في السياسة استحالة، فإن المدة المقررة للانتهاء من المفاوضات قد تكون تمهيداً للموافقة على مزيد من التنازلات الجوهرية من الطرف الفلسطيني، ومن بعد ذلك يتم الحديث حول إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة ولو بعد حين. الأمر المحوري هنا، هل لدى العرب الوقت الكافي للتركيز على القضية الفلسطينية وإغفال ما يحدث من حولهم من تغييرات لا يملكون خيوط الإمساك بتطوراتها أو التحكم فيها وفق المصلحة المشتركة وبما يضمن سبل الاستقرار التي تساعد على الاهتمام التام بالقضية المحورية. هل من الممكن واقعياً وسياسياً التعامل مع الأوضاع في العالم العربي وفقاً لنظرية «السلة الواحدة» وإذا كان ذلك شبه مستحيل فأي قضية الآن أولى بالاهتمام في الشأن العربي فلسطين أولاً، كما تذهب إلى ذلك الدبلوماسية الأميركية ومن ورائها الغرب، على أساس أن حلاً فلسطينياً فيه حلول كل مشاكل العرب، على رغم أن فلسطين لم تذكر ولو مرة واحدة في الأحداث الجارية على الأرض المتحركة في العالم العربي من اليمن إلى تونس وما بينهما من دول التغيير العربي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مشاكل العالم العربي ليست في فلسطين وإنما في داخل كل دولة على حدة، فإن المعادلة مختلفة تماماً فهنا ستأتي مشاريع التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على قائمة الأولويات التي أحدثت هذا الحراك الذي لم يجن منه العرب قاطبة إلا الفوضى غير الخلاقة والمزيد من التدهور الذي أصاب عظم بعض الدول وهدد وجودها الفعلي كمنظومة سياسية قائمة. فالموضوع أكبر من فلسطين أولاً أو ثانياً، ولو قلنا جدلاً بأن فلسطين جديدة ولدت بعد تسعة أشهر من الآن، فكم تحتاج من الوقت مصر وليبيا وتونس واليمن للولادة من جديد. يبدو أن العالم العربي كله يمر بفترة ولادة أخرى، لا نعرف حتى الساعة ما شكله، فالغموض يلفه والحيرة تصيب عقلاءه، فإن هناك سيناريوهات تبنى في الميادين لفرض واقع جديد على الأمة العربية ولكن الأمر ليس من صالح العرب، إن لم تضع الأمة ذاتها بعيداً عن كل النظريات السياسية التي فشلت في إدارة الأمة منذ الاستقلال عن الاستعمار وإلى هذه الساعة الحرجة من عمرها.