الآن وقد نجح وزير الخارجية الأميركي في إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بالاجتماع من أجل مفاوضات مباشرة وجهاً لوجه، فإنه ربما لن يُفاجأ عندما يعلم أن المفاوضات المباشرة بين الجانبين تكاد لا تفضي أبداً إلى اتفاق عربي- إسرائيلي دائم. ذلك أنه في كل الاختراقات التي حدثت في عملية السلام العربية- الإسرائيلية خلال الخمسين عاماً الماضية تقريباً، لم تفضِ المفاوضات المباشرة التي تمت من دون وسيط سوى إلى اتفاق واحد دائم، أما في بقية المرات، فإن الأميركيين هم الذين لعبوا الدور الحاسم في التوسط في الاتفاق في الحقيقة. والأكيد أنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في اتفاق إسرائيلي- فلسطيني، فإنه سيتعين على نتنياهو وعباس أن يشرفا على هذه المفاوضات ويسيطرا عليها، تماماً على غرار كيري وأوباما أيضاً – وبشكل كبير في الواقع. تاريخ الدبلوماسية العربية- الإسرائيلية يُظهر أن الاتفاقات، خاصة تلك التي تستهدف التوصل لحل للنزاعات، ستحتاج إلى أكثر من مجرد وضع الجانبين في غرفة وتمنية النفس بالنجاح، وذلك لأن احتمالات توصل نتنياهو وعباس بمفردهما لاتفاق حول القضايا الأساسية، ناهيك عن اتفاق حول نهاية النزاع، منعدمة، إذ لا بد من وساطة أميركية لتحقيق شيء ذي بال. وهذا لا يعني "التسهيل"، وهي كلمة غريبة تعني تقريباً شيئاً ما بين عدم القيام بأي شيء والحرص على وصول الغذاء في الوقت المحدد. والواقع أنه سيكون أمراً جيداً لو تمكن نتنياهو وعباس من تقديم تنازلات دراماتيكية لأحدهما الآخر بخصوص القضايا الجوهرية، وبالتالي دخول المفاوضات الخاصة بهما. بل سيكون أمراً مثالياً، ولكن ذلك مستبعد،وفي الوقت الراهن، قد يكون التسهيل هو أفضل دور تجيد الولايات المتحدة لعبه: منح الإسرائيليين والفلسطينيين فترة زمنية معقولة لرؤية ما يمكنهم تحقيقه بمفردهم؛ وتحديد الثغرات ومكامن الخلل؛ ثم لأسباب سياسية، منح المفاوضات المباشرة بين الجانبين متسعاً من الوقت للنجاح. غير أنه إذا كانت لهذه المفاوضات أي فرصة للنجاح، فإنها ستتطلب انخراطاً أميركياً عملياً، ليس كمسهِّل وإنما كوسيط– يقوم بالمساعدة على تحديد إطار التفاوض، واقتراح الأفكار، وجسر مقترحات منصفة، ومراقبة نص الاتفاق، ناهيك عن مراقبة التطبيق. ثم هناك شيء آخر أيضاً، فـ"كيري" قد يكون الرجل الذي تكفل بمهمة التحضير والإعداد واضطلع بمسؤولية جسر الهوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. غير أنه سيتعين على أوباما أن يكون حاضراً ومشاركاً أيضاً بشكل دائم من أجل النتيجة النهائية، وهذا أمر من المحتمل أن يتطلب كمية كبيرة من الجزر (والعصي أيضاً) لأنه سيتعين على الرئيس الأميركي ربما دفع الجانبين إلى أبعد مما كانا يعتقدان أنهما مستعدان للذهاب إليه؛ وهذا سيعني قدراً أكبر من بعض الصرامة والحزم، خاصة مع الإسرائيليين. آرون ديفيد ميلر محلل سياسي أميركي متخصص في قضايا الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"