كانت الساعة قد شارفت على الرابعة صباحاً من يوم التاسع والعشرين من أبريل عام 1945 عندما انتهى هتلر من إملاء وصيته: «ورغم أني طيلة سني كفاحي كنت أعتقد بعجزي عن تحمل مسؤولية الزواج، فإني الآن وقبل إنهاء حياتي، قررت أن ابني بالمرأة التي جاءت، بعد سنوات طويلة من الصداقة الحقة، طائعة مختارة إلى هذه المدينة، بعد أن تم تطويقها، لتشاطرني قضائي وقدري، وستمضي معي إلى العالم الثاني كزوجة بمحض اختيارها. ويعوض علينا هذا المصير ما خسرناه معاً في سنوات عملي الطويلة في خدمة شعبي... أما لوحات الرسم الموجودة والتي ابتعتها طيلة السنوات الماضية فلم يكن هدفي منها خاصاً بي، بل كنت راغباً في ضمها إلى متحف للصور أقيمه في المدينة التي شهدت مولدي، وهي لنيز الواقعة على الدانوب... وقد آثرت أن أموت مع زوجتي لنخلص من عار الانقلاب أو الاستسلام، وأن ما نريده هو أن تحرق جثتانا فوراً في نفس المكان الذي أديت فيه القسم الأكبر من أعمالي اليومية طيلة أثني عشر عاماً من خدمة شعبي». وفي اليوم التالي، وعند الساعة الثالثة ظهراً، أخذ هتلر بيد رفيقته «إيفا براون» إلى جناحهما الخاص حيث قدّم لها حبة سم السيانيد والمسدس بنفس الوقت كي تتم عملية الانتحار المزدوج. أما هتلر نفسه فابتلع كبسولة سم السيانيد التي تزهق روح الإنسان في أقل من دقيقة، ثم أطلق العيار الناري داخل فمه فهشم جمجمته، بينما كانت ميتة «إيفا براون» بدون دماء حيث تجرعت كبسولة السم الزعاف. تم لف الجثتين بعدها بالبطانيات، ووضعتا في حديقة المستشارية، حيث كان يختفي هتلر تحتها في ملجأ محصن للغاية ومزود بكل شيء، ثم دلق على الجثتين الباردتين مئة وثمانون ليتراً من البنزين، وتم إحراقهما بكل عناية وفق الوصية. أما وزير الدعاية النازي «غوبلز» فعمد مع زوجته أولاً إلى تسميم أولادهما الستة، ثم صعدا إلى الحديقة حيث أمر أحد الجنود بإطلاق الرصاص على رأسيهما من الخلف، وتم حرق الجثتين جزئياً، مما ساعد لاحقاً على تبين هويتهما. أما هتلر وإيفان فلم يعثر لهما على أثر، إلى درجة أن البعض توهم أنهما اختفيا بهدف تنظيم المقاومة من مكان آخر، بل زعم البعض أن هتلر هرب إلى أميركا الجنوبية وأنه يعيش في مكان سري هناك! الشيء الأكيد ليس اختفاء هتلر أو موته، بل هو نهاية الحرب العالمية الثانية، واستسلام ألمانيا للحلفاء دون قيد أو شرط. كان ذلك في السابع من مايو عام 1945، بعد أن تحولت مدن أوروبا إلى أنقاض. وهكذا توقفت المدافع عن الهدير في أوروبا، كما توقفت الطائرات عن إلقاء قنابلها عند منتصف ليلة الثامن التاسع من مايو 1945 وسيطر صمت غريب، وإن كان من النوع المرغوب فيه، على القارة الأوروبية لأول مرة منذ فاتح سبتمبر 1939. فـ«خلال خمس سنوات وثمانية أشهر وسبعة أيام، قتل ملايين الرجال والنساء في أكثر من مئة ميدان، وفي أكثر من ألف مدينة تعرضت للقصف الجوي، بالإضافة إلى ملايين أخرى قتلهم الألمان في غرف الغاز أو عند خنادق العمل الجماعي. وغدا القسم الأكبر من مدن أوروبا العريقة حطاماً، ومع مجيء الطقس الدافئ انبعثت الروائح الكريهة من الجثث التي لم تجد من يدفنها والتي لا عد لها ولا حساب».