أصبحت تقنيات الاتصال الحديثة تشغل حيزاً مهماً في المجتمعات العربية إلى الحد الذي أصبح فيه الفرد العربي أكثر اعتماداً على وسائل الاتصال من أي وقت سابق، ويتزايد ارتباطه بها يوماً بعد يوم في ظل تطور ابتكارات الوسائل الاتصالية الحديثة، وسهولة الحصول عليها من قبل شرائح واسعة من الأفراد. وقد أفادت دراسة حديثة كشفت عنها شركة «فروت آبس» أن متوسط الوقت الذي يقضيه ممتلكو الهواتف الذكية البالغون في الوطن العربي في استخدام أجهزتهم يصل إلى ساعة يومياً، وأن 60 في المئة من مستخدمي الهواتف في العالم العربي يستخدمونها أكثر من مرتين يومياً. وتصدر في المركز الأول مستخدمو الهواتف الذكية في دولة الإمارات التي يستخدم فيها نحو 67 في المئة منهم أكثر من ثلاث مرات يومياً، فيما يستخدم 14 في المئة أجهزتهم مرتين أو ثلاثاً في اليوم الواحد، ويستخدم 11 في المئة هواتفهم الذكية مرة واحدة فقط خلال اليوم. وكشفت الدراسة أن متوسط عدد مرات استخدام الهواتف الذكية في المنطقة يقدر بنحو أربع مرات يومياً، ويختلف عدد مرات استخدام الهاتف الذكي حسب كل بلد. وقد خلصت الدراسة إلى أن مستخدمي الهواتف الذكية في الدول العربية يعتبرون التواصل هو الوظيفة الأهم لاستخدام أجهزتهم فيها، وينجذبون أكثر إلى التطبيقات التي تساعدهم في التواصل مع الأصدقاء والمعارف. وتشير دراسة أخرى إلى أن حركة استخدام الإنترنت في الدول العربية تعد الأسرع نمواً في العالم في الفترة المتوقعة التي شملتها الدراسة بين الأعوام 2012-2017 بواقع 5 أضعاف. وقد كشفت الدراسة أيضاً وفقاً لمؤشر شبكات «سيسكو» المرئية أن حركة نقل البيانات عبر الأجهزة النقالة شكّلت 10 في المئة من حركة استخدام المستهلكين للإنترنت في عام 2012، وستشكـّل 31 في المئة من حركة استخدام المستهلكين للإنترنت في 2017. إن هذه الدراسات تكشف مدى انتشار الاتصالية الحديثة في المجتمعات العربية وتحولها إلى أكثر الأنماط الاستهلاكية شيوعاً لوسائل الإعلام الحديثة وغير التقليدية، وأيضاً الدور الذي تلعبه هذه الوسائل التي تعتبر إلى حد كبير منصات حرة تساهم في تشكيل الأفكار والاتجاهات السياسية والرأي العام للأفراد والجماهير. وعلى رغم أن بعض الدراسات تشير إلى أن أكثر الاستخدامات انتشاراً لوسائل الاتصال الحديثة في الدول العربية هي الاستخدامات الاجتماعية من أجل التواصل بين الأهل والأصدقاء، إلا أن استخدامها المعرفي وبهدف الحصول على المعلومة واعتبارها إعلاماً بديلاً يعتبر أيضاً من الخصائص التي تميزت المجتمعات العربية بها خاصة إبان فترة الثورات العربية. والواقع أن تقنيات الاتصال الحديثة بلغت حدّاً من التطور والتعقيد سيكون من الصعب التحكم فيه والسيطرة عليه وحتى مراقبته وإخضاعه لرغبات من هم أكثر نفوذاً مثل الإعلام التقليدي وخاصة أن هذه الوسائل أصبحت أدوات فاعلة للاتصال الجماهيري يعتمد عليها الأفراد الذين يجدون فيها بديلاً عن الإعلام التقليدي وتمكنهم من التعبير عن أفكارهم وآرائهم بحرية. وهناك من يرى أن تقنيات الاتصال الحديثة تحمل جانباً خطيراً يهدد أمن المجتمعات وبعض الأنظمة القائمة عند استخدامها من قبل أفراد ومجموعات تهدف إلى نشر الفوضى وتضليل الرأي العام وحشد الجماهير من خلال دعوتها إلى الخروج عن النظام ومخالفة القانون، هذا عدا عن تأثير هذه الوسائل على الأفراد من الناحية السلوكية والنفسية والاجتماعية. وبين المتفائلين بدور وتأثير وسائل الاتصال الحديثة والمتشائمين منها، تبقى الحقيقة أن هذه الوسائل باتت تلعب في المجتمعات العربية دوراً كبيراً في التأثير على الجماهير وتشكيل الرأي العام في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي التي يشهدها العديد من الدول العربية.