حدد محمد جواد ظريف، المرشح لحقيبة الخارجية في حكومة حسن روحاني، الخطوط العريضة لسياسة بلاده خلال المرحلة المقبلة. وحسب «الخطة المفصلة» التي نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية، الأربعاء الماضي، فقد أكد ظريف على ضرورة اعتماد «نهج واقعي للتعامل مع القضايا الراهنة على الساحة الدولية»، وعلى الحاجة لـ«تطبيع العلاقات مع الشركاء التقليديين في أوروبا وآسيا»، لافتاً لأهمية تخفيف التوتر مع القوى الكبرى، و«إزالة المسائل غير الضرورية والمنحرفة وغير ذات الصلة، من جدول أعمال التفاعل مع الاتحاد الأوروبي»، والتفاعل مع دول الجوار والقوى الإقليمية والدول الإسلامية، للتخفيف من حدة «السياسات المناهضة لإيران في المنطقة». لكن هل الظروف الإقليمية والدولية مهيأة الآن لقبول أفكار وتوجهات على هذا النحو من جانب إيران؟ وهل بلغ التغيير في إيران، مع ذهاب نجاد ومجيء روحاني، حداً يسمح بالتصالح مع المحيطين الإقليمي والدولي؟ وقبل هذا وبعده، هل يملك ظريف من الخبرة ما يؤهله لإحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية لإيران؟ بالابتداء من السؤال الأخير، نقول إن الدكتور محمد جواد ظريف، دبلوماسي وأكاديمي إيراني بارز، سبق أن شغل عدة مواقع دبلوماسية في ظل رؤساء الجمهورية السابقين خامنئي ورفسنجاني وخاتمي ونجاد، قبل ترشيحه، الأسبوع الماضي، لقيادة الدبلوماسية الإيرانية في ظل الرئيس الجديد حسن روحاني. وقد ولد محمد جواد ظريف لعائلة ثرية عام 1960 في طهران، حيث تلقى تعليمه الابتدائي وجزءاً من تعليمه الثانوي، قبل أن يسافر عام 1976 للدراسة في الولايات المتحدة. وهناك حصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة ولاية سان فرانسيسكو عام 1980، ثم على شهادة الماجستير عام 1982، قبل نيله شهادة الدكتوراه في الدراسات الدولية من جامعة دنفر عام 1987. أما بداية عمله في السلك الدبلوماسي فتعود إلى عام 1985 عندما كاد يفقد فرصته في مناقشة رسالة الدكتوراه، وذلك حين سحبت منه السلطات الأميركية تأشيرة الطالب التي كانت بحوزته، وكان يتعين عليه إيجاد عمل يؤمّن له البقاء بشكل شرعي في البلاد، فتوجه إلى ممثلية إيران في الأمم المتحدة، فكان له ذلك. وقد تدرج ظريف في المواقع إلى أن أصبح سكرتيراً للبعثة الإيرانية في الأمم المتحدة ونائباً للممثل الإيراني الدائم لدى المنظمة الدولية، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى عام 1992، حين عين معاوناً لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، في عهد رفسنجاني. وخلال عمله في ذلك المنصب ساهم في الاجتماع التحضيري الآسيوي للمؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية، وفي أعمال لجنة الأمم المتحدة لنزع السلاح، وكان أستاذاً للقانون الدولي في جامعة طهران، ونائب رئيس جامعة آزاد الإسلامية، وعضواً في هيئة التحرير لعدة مجلات علمية، وقد كتب على نطاق واسع حول قضايا نزع السلاح، وحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والصراعات الإقليمية. وبقي ظريف في إيران عشر سنوات عاصر في جزء منها الرئيس الأسبق خاتمي الذي أرسله إلى نيويورك ممثلا دائماً لإيران في الأمم المتحدة، حيث قدّم أوراق اعتماده لدى أمين عام المنظمة كوفي عنان في أغسطس 2002. وحينئذ شارك ظريف في الفريق الإيراني للمفاوضات النووية مع روحاني الذي كان رئيساً لمجلس الأمن القومي الإيراني بين عامي 2003 و2005، كما عرف بنشاطه الكبير في الولايات المتحدة، حيث لوحظ حضوره الدائم في الجامعات والمحافل العامة، ما دفع أحد مسؤولي جامعة كولومبيا لسؤاله إن كان ينوي ترشيح نفسه للانتخابات الأميركية! فقد استضاف العديد من الشخصيات الأميركية على مائدته، وكان متحدثاً رئيسياً في مؤتمر المجلس الإيراني الأميركي في نيوجيرسي، إلى جانب كل من تشاك هاجل ودينيس كوسينيتش ونيكولاس كريستوف وأندرس ليدن... لمناقشة العلاقات الإيرانية الأميركية، والطرق المثلى لزيادة الحوار وتجنب الصراع. لكن في يوليو 2007 قرر نجاد تعيين محمد خزاعي مندوباً دائماً لإيران لدى الأمم المتحدة، بينما عيّن ظريف معاوناً لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى عام 2010. وخلال سنوات وجوده في طهران لم ينقطع ظريف عن الحقل الأكاديمي، حيث ظل يدرّس في جامعة طهران وفي كلية العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الإيرانية، حتى ترشيحه لتولي حقيبة الخارجية في الحكومة التي ينتظر حالياً أن يصادق عليها البرلمان. وإذا ما تمت إجازة هذه الحكومة من مجلس الشورى، بتشكيلتها المطروحة أمامه، فستكون مدعوّة للتعامل مع تحديات جمة تواجهها إيران، على رأسها التحدي الاقتصادي متمثلا في التداعيات الخطرة للحصار الاقتصادي، وإيجاد نهج جديد لإدارة العلاقات الخارجية، وتقديم الضمانات اللازمة لطمأنة الأطراف الإقليمية والدولية... وهي مهام وتحديات مما يعيه روحاني الذي وعد بإعادة بناء علاقات إيران الإقليمية، والعمل على تحقيق علاقات دولية متوازنة تجنب بلاده مزيداً من المتاعب. بيد أن ذلك يبقى مجرد شعار أو طموح مرهون بمعادلات داخلية وخارجية قد تتجاوز الرئيس الجديد ووزير خارجيته. فالغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لا يزال يخوض جدلا داخلياً حول دلالة انتخاب روحاني، بين من يرون فيها قطيعة مع «إيران النجادية»، يتعين تشجيعها بإبداء مزيد من الانفتاح والمرونة، ومن يرونها مجرد خطوة تكتيكية لتجميل وجه النظام داخلياً وخارجياً عبر إيجاد شريك «إصلاحي» يقاسمه أعباء مسؤولية التدهور المتفاقم في أحوال البلاد. ويشيرون إلى أن روحاني هو الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإيراني، والذي ضاعفت إيران في عهده عدد أجهزة الطرد المركزي في منشآتها النووية أربع مرات. كما يتحدثون عن الثقة التي يحظى بها لدى خامنئي. ومع ذلك فمن المتوقع أن تتركز جهود وزير الخارجية الجديد على تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية ضد إيران، إذ لن يكون لتعيينه في هذا المنصب، ولا لانتخاب روحاني نفسه، أي معنى ما لم يحدث تغيراً ملموساً في هذا الجانب على الأقل. فظريف، الدبلوماسي والأكاديمي الذي أمضى نصف عمره حتى الآن في الولايات المتحدة، والذي تربطه علاقات بعدد من الدبلوماسيين الغربيين، ربما يكون مهيئاً لتوصيل رسالة إيران والدفاع عن وجهة نظرها في قضايا محورية، مثل ملفها النووي، ودعمها لنظام الأسد، ودورها في لبنان، وتدخلاتها الإقليمية الأخرى. وعلاوة على أن وزير الخارجية في الأصل هو مجرد منفذ للسياسة الخارجية وليس راسماً لها، فإن سلطته التنفيذية في إيران محددة ومقيدة بإرادة صانع القرار الأول، وهو في هذه الحالة ليس الرئيس المنتخب، بل المرشد الأعلى أو الولي الفقيه. محمد ولد المنى