جو روحي وطني بديع عشناه قبل أن يلوّح بيديه مودّعاً، فنكهة الشهر الفضيل في الإمارات تضفي على الجو نوعاً من الألق الروحي العميق، تبين معه طبيعة الشعب الإماراتي الخيّر المضياف، فترى خيام الإفطار تنتشر هنا وهناك كنجوم ترصّع السماء، وتزدان الشوارع بالأضواء التجسيدية البديعة، وتعمر المساجد بالأئمة والدعاء والمقرئين القادمين من مختلف دول العالم الإسلامي، وتتحول الدولة إلى موكب فرح تنافسي لا متناهي، طابعةً على جبين الكون قبلة بهاء حانية تجعل من شهر رمضان الإمارات باقة سحر تنوعت أزهارها وتعددت ألوانها فبدت أجمل. وحتى لا يترك الشهر الفضيل لآثار الفراق أسى في النفوس، كساها بهجة العيد قبل رحيله لتعيش الفرحة وتنسى لوعة الفراق، وتتفتح ورود فرح العيد هناءً وتهاني يطيب لنا ويشرّفنا جميعاً أن نهديها لمقام سيدي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأصحاب السمو الحكام وأولياء العهود الميامين والشيوخ وكل شعب الإمارات الكريم ومن عاش على أرضها، وكذلك من أحبها حتى لو لم يعش فيها. إنها مناسبة حلّت علينا في وقت لا زلنا وسنظل نتباهى فيه كإماراتيين، بعبور سفينتنا إلى برّ الأمان، رغم توترات دول المنطقة، فما تتناقله وسائل الإعلام من أحداث مفزعة أذهبت فرحة العيد عن أحاسيس الكثير من الشعوب التي تعاني آثار جحيم "الربيع العربي" الذي اختطفه تنظيم الإخوان المتأسلمين، وأخذته العزّة ببريق البدايات فحاول تطبيق النموذج على دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحويلها من مجرد حصالة في نظر المرشد الأعلى للتنظيم، إلى مستعمرة إخوانية يجري عليها ما جرى على دول الجحيم العربي، وينتج عنها ما نراه ونشاهده يومياً في أخبار تلك الدول. غير أن المثل القائل «ربّ ضارة نافعة»، أبى إلا أن يتجسّد في هذه الأرض الطيبة الطاهرة الفتية، التي ضربت مثالاً رائعاً في الولاء العفوي لأبنائها الذين التفوا حول قيادتهم واختاروا خصوصيتهم على الفكر الدخيل، فسجّلوا وقفات مشرّفة لن تتمكن سطور التاريخ من إسقاطها أو المرور عليها مرور الكرام، ففي ساحات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت، خاصة موقعي التويتر والفيسبوك، التي امتازت بكثافة التواجد الإماراتي عليها، إضافة للمدونات الشخصية والمواقع الوطنية، كلّها شكّلت حراكاً كبيراً أثبت مكانة الإمارات المتقدمة في عالم التقنية والإنترنت، وأثبت الشباب الإماراتي وعياً وتوحداً في استراتيجيات الهدف، وتوحدت كلمتهم في ألوان العلم، وبدأت النهضة الهائلة لدولة الإمارات في فضاء الإنترنت الافتراضي تتجلّى رصانة في الأسلوب، وجماليات رائعة في التنظيم، وعمقاً في الحوارات والنقاش، وجودة لا متناهية في الصورة، تناسب المعايير التقنية لدولة الإمارات التي قطعت على نفسها عهداً أن تتحول قريباً إلى حكومة ذكية يتساوى فيها بناء الإمارات التقني وبناؤها على الإنترنت، وهو بناء غني الهوية والهوى. فالعديد من دول المنطقة تلهث جاهدة للحاق بركب التطور الحضاري، بينما دولة الإمارات العربية المتحدة تخوض سباق السنوات القادمة التي لم تدركها التكنولوجيا بعد. إنها مرحلة متفردة تجاوزت بها الدولة شعارها الذي عزمت وأوفت بموجبه، أن لا ترضى بغير المركز الأول في السباق، ولما تمكّنت من الوفاء بهذا العهد ها هي ذا تعاهد نفسها على المنافسة في حلبة المستقبل القادم فتضع الخطط الخمسية والعشرية والنصف قرنية والقرنية، وهو جوهر ما استندت عليه تركيبة هذه الدولة التي أراد لها مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوته، طيّب الله ثراهم جميعاً، وهو بناء الإنسان، وما عنته بكلمة «إنسان» هو إنسان الماضي الذي حفظت له كافة حقوقه التوثيقية، وحافظت على كل عهوده الارتباطية الأزلية بأرضه وخصوصيته، وأيضاً على ملامحه وهويته، وإرثه وموروثه وتراثه ولسانه وكافة طبائعه وعاداته وتقاليده، رغم زحف الحضارة، ورغم السباحة بين أكبر عدد من الثقافات المجتمعية التي شهدتها الكرة الأرضية في مكان واحد، وحافظت على إنسان الحاضر بذلك الإرث الجميل مضافاً له كافة أنواع الرفاهية والتقدم، ورفع مستوى الخدمات إلى أعلى درجاته الممكنة والسعي الدائم لتطويرها، تدعمه بنية تحتية متينة ومتكاملة. كما حافظت على إنسان المستقبل عبر تفكيرها في الأجيال اللاحقة التي أرادت لها مزيداً من الرفاهية ورغد العيش، ومزيداً من التعاطي مع العالم الخارجي، والانفتاح على ثقافة الآخر دون أدنى طمس لمظاهر الهوية التي تميّز إنسان هذه الأرض عن غيره من سكان الدنيا. وقطفت دولة الإمارات من تعرّضها للاستهداف الغاشم، ثقة أبنائها بأنفسهم، وثقة الوطن بأبنائه، ووحدة القيادة والقاعدة في عجينة تماسكية متمازجة بكيمياء يستحيل فصلها عن بعضها البعض، فمفهوم القبيلة، رغم الولاء المجتمعي له، سهلت التضحية به حينما تعلّق الأمر بأمن واستقرار الوطن، فالإمارات خطّ أحمر لا يرتضي الإماراتيون مقارنته بأي شيء آخر مهما عظم وعلا قدره، وقويت مكانته، وتدافع الشباب زرافات ووحدانا على صفحات الصحف وشاشات قنوات التلفزة ومواقع الإنترنت، لم يقف أمامهم عائق يحول بينهم وتلبية نداء الوطن، فاندفعوا بأخلاقهم الإماراتية الأصيلة في مواجهة الحرب الإعلامية التي شنّها المستهدفون ضدّ وطنهم، وكان المكسب الكبير للبلاد إعلاماً وطنياً متميزاً شكّل مدرسة جديدة حملت كل السمات والملامح والمزايا من طبيعة الأرض وعاداتها وتقاليدها وإرثها وموروثها، فكانت مدرسة إماراتية خالصة بدأت الكثير من الكتابات تقليدها والتأسي بها. ومع إطلالة العيد السعيد، وعودتنا إلى الإفطار بعد صيام وتعبّد، نقول كل عام وأنتم والإمارات بكل خير وعساكم من عواده.