في مبادرة طيبة طلبت الإدارة المختصة في الشرطة الفيدرالية في مديرية أونتاريو من بعض أئمة المساجد (في المديرية أكثر من مئة مسجد شيدها المسلمون الكنديون) أن ينظم بعض ضباطها اجتماعاً موسعاً من قادة ورؤساء وناشطي المنظمات والجماعات الإسلامية الكندية.. كان الهدف كما قال الضابط المسؤول عن الاتصال بالجاليات (جاليات أقليات الكندية الدينية والعرقية إلخ) هو تحسين العلاقة مع المسلمين الكنديين والتخفيف من التوتر المكتوم بينهم وبين الشرطة الذي لم يعد خافياً على أحد في الأشهر الأخيرة السابقة من جراء ما أعلن عنه من اكتشاف خلية إرهابية تعد لتدمير قطار ركاب بناء على أوامر القاعدة. تقول مبادرة طيبة (وهي ليست الأولى فقد سبقتها مبادرة مثلها في أواخر شهر رمضان في العام الماضي) لأن الاجتماع الذي حضره عدد تجاوز الألف مسلم ومسلمة في مركز النور وحضره أكثر من مئتي من الزعماء المسلمين الكنديين (في الغالب من مسمى "القارة" الهندية وأفغانستان) كان مطلوباً من أجل إزالة التوتر وسوء الفهم (المشترك بين الجانبين) وهي حالة من التوتر غريبة على المجتمع الكندي المستنير، والذي يتصف بالتسامح واحترام التعددية العرقية والدينية والثقافية، وهي الركائز التي قامت عليها الدولة الكندية والتي مايزتها بين الدول الغربية، خاصة جارتها الجنوبية (الولايات المتحدة الأميركية).. ويعرف الجانبان أن حالة التوتر وسوء الفهم هما إحدى رواسب حادثة 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، عندما أعلنت الإدارة الأميركية خطأ أن الإرهابيين الإسلاميين الذي فجروا مركز التجارة الدولي هنالك قد جاؤوا من كندا وهو خطأ وقعت فيها الإدارة الأميركية، وفي مقدمتها الرئيس جورج بوش نتيجة لنقص المعلومات الاستخبارية، وأدى إلى توتر العلاقات الرسمية، ما دعا الإدارة الأميركية بعد أن تكشفت المعلومات للاعتذار الرسمي لحكومة كندا. الاجتماع المشترك بين بعض مسؤولي الشرطة الفيدرالية وبعض السياسيين من أونتاريو وقادة وأئمة المسلمين وجمهور من المسلمين والمسلمات تجاوز الألف شخص، منذ البداية قال المسؤول الشُرطي إن اجتماعنا هذا يهدف إلى أن نتحادث بصراحة ووضوح ويعرض كل منا وجهة نظره وانتقاداته إذا وجدت.. ونحن نعترف بداية بأن بعض الأخطاء قد وقعت فيها بعض أجهزة الأمن، ما أدى إلى انطباع خاطئ لدى أجهزة الإعلام، وبالتالي لأقسام من الرأي العام.. فنحن وأنتم نعلم أن غالبية المسلمين ليس في كندا بل في كل بلاد العالم ليسوا إرهابيين، ولا يؤيدون الإرهاب وأعمال العنف والقتل لأن دينهم يحرم ذلك.. وأنتم ونحن نعلم أن الدستور والقانون والميثاق الكندي يساوي بين جميع المواطنين الكنديين، فالمواطن الكندي يعيش تحت حماية القانون.. والشرطة ملتزمة بالقانون، ويتساوى في نظر القانون المواطن الذي يتعدى على القانون، وكذلك الشرطي الذي يتجاوز القانون. المشكلة في نظر وكلمات أغلب المتحدثين في الاجتماع هي في الأصل مشكلة "عدم الثقة" المتبادلة بين الطرفين، وكلمة (الثقة) ترددت وتكررت في معظم أحاديث المتحدثين.. ومن المفيد والصحيح أن بعض رجال الشرطة الكندية بممارستهم المسجلة (والتي وصلت المحاكم) يتعاملون وفق هذا المنطق ليس مع المسلمين الكنديين وحدهم بل مع الأقلية الكندية السوداء.. وتلك مسألة تحتاج إلى دراسة أعمق وتدريب وتربية ثقافية تقوم بها قيادة الشرطة لرجالها ونسائها قبل أن ترسل بهم إلى الشوارع للتعامل مع الجمهور.. لقد روى كثير من الحاضرين وقائع وحوادث وقعت لهم شخصياً.. لكن الأهم هو أن هذا الاجتماع ربما فتح صفحة جديدة في علاقات الطرفين، فالمواطنون المسلمون الكنديون (تجاوز تعدادهم أكثر من ستمائة ألف مواطن في أونتاريو وحدها) هم جزء مهم ومنتج في هذا البلد، وقد خرج من صفوفهم رجال ونساء تفخر بهم كندا.